02 نوفمبر 2024
حرب لبنان... المالية
"إلياس سركيس هو من أنقذ النظام المالي اللبناني بتحصينه بالذهب". عبارة متوارثة منذ ثمانينيات القرن الماضي، تصبّ في خانة إنجازات رئيس جمهورية أسبق، كان حاكماً للمصرف المركزي اللبناني. استُخدمت العبارة على نطاق واسع في أثناء انهيار العملة اللبنانية في الحرب الأهلية (1975 ـ 1990). الذهب وحده ساهم في استيلاد عبارة منبثقة من العبارة الأولى، هي "المعجزة المصرفية اللبنانية". ويُراد من هذه تكريس وهمٍ ساد، بعد الحرب اللبنانية، للدلالة على أن النظام المالي اللبناني لم يسقط بفعل المدافع، بل واصل صعوده، اعتماداً على سنوات الستينات ومطلع سبعينات القرن الماضي، التي كان لسركيس دور كبير فيها، عبر شرائه الذهب في كل مرة تكشف فيها موازنة الدولة فائضاً ما، لقناعته بأن عنصر "الذهب" ثابت في معظم الأحيان، واستقراره السعري شبه مضمون.
وهم ما بعد الحرب، الأشبه بحالة من الانفصام أو النكران، مستمدّ من واقع ما قبل الحرب، كان فيه لبنان مقصداً سياحياً بامتياز، كما هي ايبيزا أو مونتينيغرو أو كرواتيا حالياً، وكانت تعتمد البلاد بصورة خاصة على "السرّية المصرفية" التي حوّلت لبنان جنّة ضرائبية في هذه البقعة من الشرق الأوسط. تلك الجنة دفعت إلى إهمال باقي القطاعات، خصوصاً قطاعي الصناعات الصغيرة والزراعة، فلبنان ما بين عامي استقلال 1943 والحرب 1975، كان مستنداً على قطاعي السياحة والخدمات المصرفية، من دون وضع خطط استشرافية للمستقبل.
سقطت هذه الجنة الضريبية على مرحلتين، لكنها لم تنهرْ بالكامل بعد. سقطت، في المرحلة الأولى في الحرب الأهلية اللبنانية، ولولا اعتماد الأطراف المتقاتلة في لبنان على مبدأ "تهريب البضائع"، لكان وضع البلاد أسوأ من وضع البوسنة بعد الحرب اليوغوسلافية (1992 ـ 1995). وفي المرحلة الثانية من السقوط، بدأ يتظهّر التفسّخ في النظام المالي اللبناني، بعد إعلان لبنان خضوعه لكل المتطلبات الأممية في شأن السرية المصرفية التي باتت تعمل وفقاً لضوابط محددة، لا تسمح لأيٍّ كان بوضع أمواله في المصارف اللبنانية، ما لم تكن "شرعية". لم يعد لبنان "بنما" أو "جزر كايمان" الخاص بالشرق الأوسط. وهو ما صعّب من استجلاب الودائع "الاعتيادية" إلى مصارفه، وأدى إلى اعتماد سياسةٍ نقديةٍ، ربطت معظم الفئات العاملة في لبنان التي تضطر للاقتراض من المصارف، بالمنظومة المصرفية، بما يؤمن ديمومة التمويل الذاتي للمصارف من جهة، وتمويل الفوائد على الودائع، الأجنبية تحديداً، من جهة أخرى.
هذه الحلقة "المفرغة" من غير المفترض أصلاً أن تستمرّ واقعياً، وكان لا بدّ أن تنهار فوق رؤوسنا يوماً ما، لأنها لا تعتمد على عناصر اقتصادية بحتة، لتأمين ديمومتها، بل تستمرّ لوجود "أمر واقع" سياسي، ساهم في إبقائها على قيد الحياة. أمر واقع يتجلّى في المساعدات والهبات التي شحّت في السنوات القليلة الماضية. مع العلم أنه لو تمّ استخدام أجزاءٍ من هذه الهبات والمساعدات، لمصلحة تمويل الصناعات الصغيرة والقطاع الزراعي، لكان أمكن إيجاد أبوابٍ اقتصاديةٍ توازي اقتصاد الخدمات المصرفية والسياحية. هنا، ابحث عن الفساد والهدر.
الآن، وصلنا إلى الحالة الصدامية المتوقعة وفقاً لقوانين الطبيعة، لكنها تتخذ بعداً سياسياً، المتمثلة بتشابك حزب الله مع مصرف لبنان، على خلفية قانون أميركي، يجعل من كل حسابات الحزب، أو الدائرين في فلكه، غير مسموح لها ولوج المنظومة المصرفية اللبنانية. واستطراداً، الارتباط بالمنظومة المالية الأميركية. إما أن يخرج مصرف لبنان من المنظومة المالية الأميركية، أو يصطدم مع حزب الله. في الحالتين، لا تبدو المسألة "مزحة" العصر، مع إعلان البنك الدولي، الأسبوع الماضي، أن "لبنان يتجه إلى الإفلاس"، وتلكؤ الدول المانحة عن مساعدة البلاد في ملف النزوح السوري، وانسداد الآفاق الاقتصادية المشرقة، لغياب الاستقرار السياسي دستورياً. مع هذا، هناك من يقول: ننتظر صيفاً سياحياً واعداً.
وهم ما بعد الحرب، الأشبه بحالة من الانفصام أو النكران، مستمدّ من واقع ما قبل الحرب، كان فيه لبنان مقصداً سياحياً بامتياز، كما هي ايبيزا أو مونتينيغرو أو كرواتيا حالياً، وكانت تعتمد البلاد بصورة خاصة على "السرّية المصرفية" التي حوّلت لبنان جنّة ضرائبية في هذه البقعة من الشرق الأوسط. تلك الجنة دفعت إلى إهمال باقي القطاعات، خصوصاً قطاعي الصناعات الصغيرة والزراعة، فلبنان ما بين عامي استقلال 1943 والحرب 1975، كان مستنداً على قطاعي السياحة والخدمات المصرفية، من دون وضع خطط استشرافية للمستقبل.
سقطت هذه الجنة الضريبية على مرحلتين، لكنها لم تنهرْ بالكامل بعد. سقطت، في المرحلة الأولى في الحرب الأهلية اللبنانية، ولولا اعتماد الأطراف المتقاتلة في لبنان على مبدأ "تهريب البضائع"، لكان وضع البلاد أسوأ من وضع البوسنة بعد الحرب اليوغوسلافية (1992 ـ 1995). وفي المرحلة الثانية من السقوط، بدأ يتظهّر التفسّخ في النظام المالي اللبناني، بعد إعلان لبنان خضوعه لكل المتطلبات الأممية في شأن السرية المصرفية التي باتت تعمل وفقاً لضوابط محددة، لا تسمح لأيٍّ كان بوضع أمواله في المصارف اللبنانية، ما لم تكن "شرعية". لم يعد لبنان "بنما" أو "جزر كايمان" الخاص بالشرق الأوسط. وهو ما صعّب من استجلاب الودائع "الاعتيادية" إلى مصارفه، وأدى إلى اعتماد سياسةٍ نقديةٍ، ربطت معظم الفئات العاملة في لبنان التي تضطر للاقتراض من المصارف، بالمنظومة المصرفية، بما يؤمن ديمومة التمويل الذاتي للمصارف من جهة، وتمويل الفوائد على الودائع، الأجنبية تحديداً، من جهة أخرى.
هذه الحلقة "المفرغة" من غير المفترض أصلاً أن تستمرّ واقعياً، وكان لا بدّ أن تنهار فوق رؤوسنا يوماً ما، لأنها لا تعتمد على عناصر اقتصادية بحتة، لتأمين ديمومتها، بل تستمرّ لوجود "أمر واقع" سياسي، ساهم في إبقائها على قيد الحياة. أمر واقع يتجلّى في المساعدات والهبات التي شحّت في السنوات القليلة الماضية. مع العلم أنه لو تمّ استخدام أجزاءٍ من هذه الهبات والمساعدات، لمصلحة تمويل الصناعات الصغيرة والقطاع الزراعي، لكان أمكن إيجاد أبوابٍ اقتصاديةٍ توازي اقتصاد الخدمات المصرفية والسياحية. هنا، ابحث عن الفساد والهدر.
الآن، وصلنا إلى الحالة الصدامية المتوقعة وفقاً لقوانين الطبيعة، لكنها تتخذ بعداً سياسياً، المتمثلة بتشابك حزب الله مع مصرف لبنان، على خلفية قانون أميركي، يجعل من كل حسابات الحزب، أو الدائرين في فلكه، غير مسموح لها ولوج المنظومة المصرفية اللبنانية. واستطراداً، الارتباط بالمنظومة المالية الأميركية. إما أن يخرج مصرف لبنان من المنظومة المالية الأميركية، أو يصطدم مع حزب الله. في الحالتين، لا تبدو المسألة "مزحة" العصر، مع إعلان البنك الدولي، الأسبوع الماضي، أن "لبنان يتجه إلى الإفلاس"، وتلكؤ الدول المانحة عن مساعدة البلاد في ملف النزوح السوري، وانسداد الآفاق الاقتصادية المشرقة، لغياب الاستقرار السياسي دستورياً. مع هذا، هناك من يقول: ننتظر صيفاً سياحياً واعداً.