حركة الشباب المجاهدين الصومالية.. فرص البقاء وتحديات الواقع
وبعد مقتل زعيم الحركة، أحمد عبد غودني، في غارة أميركية في مطلع سبتمبر/أيلول الجاري، وهو الذي كان بمثابة أيقونة صمود ورمز انتصار لعناصر حركة الشباب، يعتقد محللون كثيرون أن الحركة في أفول حتمي قريباً، فالزعيم، الذي كان بالنسبة إلى بعضهم دولة الرجل الواحد، لم يترك قيادة عسكرية أو سياسية، تدير شؤون حركة الشباب ومستقبلها، مما يجعل فرص بقائها مرهونة بمدى جدارة القيادة الجديدة، وقدرتها في التأثير والإقناع على الجماعة، التي أوصلها مختار أبو زبير إلى القمة العسكرية والسياسية.
مصير غامض بعد مقتل زعيمها
زعيم حركة الشباب الصومالية الذي اغتالته غارة أميركية أحمد عبد غودني |
ويعتقد الباحث في المركز الصومالي للبحوث والمعلومات، محمـد نور، أن الانشقاقات والخلافات، التي كانت بسببها قد أُبعدت وقُتلت قياداتٌ في الحركة، منهم القيادي البارز، إبراهيم أفغان، بأمر من الزعيم الراحل غودني، ستستمر، حتى تصبح حركة الشباب إرثاً من الرماد. ويؤكد أن دعائم حركة الشباب وفرص بقائها ميدانياً ليست قوية، بل هي أضعف من أن تقوى على نار الصراعات الداخلية والخارجية، التي تهيمن عليها.
ويعتقد الخبير العسكري، عبد الله أحمد، أن رحيل غودني سيشكل عامل استقطاب وجذب للمجموعات، التي انشقت عن حركة الشباب سراً، ولاذت بالفرار إلى الأدغال في جنوب الصومال، ومنهم المتحدث باسم الحركة سابقاً، أبو منصور روبو، مما يعطي للحركة حياة جديدة، إذا انتهزت الفرصة، وذلك في حال رضوخ الجناح الجديد للحركة، والذي يتزعمه عمر أحمد أبو عبيدة، لمطالب المنشقين السابقين عن الحركة. ويضيف أن مصير حركة الشباب ومستقبلها مرتبط بالخطوات السياسية والعسكرية، التي تتخذها القيادة الجديدة، وكيف تجيد لعبة العزف على أوتار السياسة والحرب، وخصوصاً الرئيس الجديد للحركة، والذي يعتقد أنه لا يتمتع بقوة التأثير والإقناع على الآخرين، بقدر ما هو شخصية لا تعرف "الرحمة "، بحسب ما تداولته وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، لكن هذا سيعجل، أيضاً، في نفاد ما تبقى للحركة من رصيد عسكري وسياسي، وكأن القدر قرر أن تعلن الحركة الخلاص والنهاية على غرار الحزب الإسلامي، الذي اندمج بـ"الشباب المجاهدين" عام 2010. ويفيد آخرون بأن الزعيم الجديد للحركة لا يستطيع ربط العلاقات في داخل حركة الشباب، وتقويتها، وخصوصاً بين المركز الإداري للحركة وعناصر فرع تنظيم "الشباب المجاهدين"، الذين يعانون، حالياً، من صدمة نفسية، أحدثها لديهم رحيل أحمد عبد غودني، والذي يرجح محللون أنه رحيل سيؤثر حتماً في قوة حركة الشباب التنظيمية والعسكرية، وبموته، ستنهار أيضاً التحالفات، التي كانت محاطة به، إثر خلافاتٍ دبت بين قيادة الحركة.
تحديات وصراعات داخلية
لكن، هذا لا يعني أن حركة الشباب أصبحت بين قوسين أو أدنى من النهاية، وعلى الرغم من أن كل الحركات الإسلامية المسلحة، التي مرت بالصومال، وخاضت غمار الصراعات الإيديولوجية والسياسية في البلاد، تفككت واضمحلت، نتيجة صراعات خارجية وداخلية، إلا أن الحركة تبدو مسيطرة على حالها، لكن، بحسب محللين، فإن قواها ستخور عاجلاً أم آجلاً، وتبدو الآن أنها على فراش الموت.
ويسرد الكاتب الصحافي، سعيد إبراهيم، أبرز التحديات، التي تشكل حجر عثرة أمام تقدم ظاهرة حركة الشباب من جديد، ويؤكد أن هناك تحديات كثيرة، منها ضعف الولاء التنظيمي داخل صفوف الحركة، وعدم وجود قادة تنظيمية للحركة في هذه المرحلة، بعد مقتل غودني. ويقول إن التصعيد العسكري والأمني في مقديشو ضد عناصر حركة الشباب في مقديشو، ربما سيشكل أيضاً تحدياً آخر أمام قدرة مقاتلي الحركة على التحرك في أنحاء متفرقة من العاصمة، بعد أن سلت الأجهزة الأمنية سيفها على عناصر الحركة، واعتقلت عشرات منهم في السجون الحكومية، وخصوصاً التابعة للأجهزة الأمنية.
وقد نفذ القضاء الصومالي أحكاماً متعددة بحق منتمين إلى حركة الشباب المجاهدين، بلغت إعداماتهم حتى أيام تسعة أشخاص، وذلك بعد أن قررت المحكمة العسكرية تنفيذ الحكم بسبب جرائم قتل وتدبير تفجيرات انتحارية في العاصمة. ويعتقد سعيد أن هذه الأحكام والإعدامات ستضع حداً لموجة التفجيرات والاغتيالات، التي كانت تستهدف المسؤولين الحكوميين، وتثير الرعب والخوف في نفوس المنتمين إلى الحركة، لأن سياسة الإعدام، التي تنفذها الحكومة ضدهم وجدت أصداءها في الشارع الصومالي، وأخذت مفعولها للحد من ظاهرة القتل المتعمد بحق المسؤولين الحكوميين والمواطنين في وضح النهار.
وتردد في الأوساط الإعلامية أن خطوات عسكرية وإدارية اتخذتها قادة حركة الشباب، للم شملها من جديد، إلا أن محللين يرون أنها خطوات للتصعيد، كرد ثأري دموي، ضد أهداف محددة في المنطقة، عقب أيام وجهت "الشباب المجاهدين" فيها تهديداً إلى أميركا باستهداف مراكز حساسة في الدول المجاورة.
ويعزو متابعون أسباب التراجع العسكري، الذي مني به مقاتلو حركة الشباب المجاهدين في الصومال، في الأشهر الماضية، إلى تآكل دور المقاتلين الأجانب، الذين تطلق عليهم الحركة اسم "المهاجرين" والذين كان لهم دور فاعل في قيادة الاستراتيجية العسكرية للحركة، لكن سياسة التعامل مع أولئك المقاتلين، التي امتازت بإبعادهم، أو اعتقال بعضهم وقتل آخرين، أتت بنتائج عسكية ضد مسيرة حركة الشباب العسكرية في جنوب الصومال، ابتداء بانسحاب الحركة من مدينة كسمايو، أواخر عام 2011 وانتهاءً بخروجها من أكثر من مدينة في وسط البلاد وجنوبها.
ويؤكد متابع شؤون حركة الشباب، عيسى جامع، أن الحركة ستنقسم إلى أجزاء مختلفة، وأن هذه المرحلة هي "موسم الانشقاقات"، وهذه سمة بارزة في الحركات الإسلامية في القرن الأفريقي، حيث تتساقط أوراقها، واحدة تلو أخرى، إذا ما شارفت على النهاية، بسبب انقسامات وخلافات داخلية، تصبح أشد وطأة من رصاصة الغريم، أو ضد من تعتبرهم أعداء وخونة لمشروعها الإسلامي.
ويرى خبراء عسكريون أن مقتل غودني سيعجل نهاية حقبة التيار السلفي الجهادي في الصومال، الذي خاض، ربع قرن، حروباً مع الداخل والخارج، فأية نهاية حتمية لحركة الشباب ستؤدي إلى إنهيار رأس جبل الجليد للجهاديين المسلحين في المنطقة. كما أن الحكومة الصومالية تتمتع، حالياً، برصيد عسكري وافر بعد الضربة الأميركية، فهي المستفيدة الأكبر في الصراع، وتتحكم حالياً، أكثر من أي وقت مضى، بمصير حركة الشباب ومستقبلها، فلو وظفت سياستها وقوتها العسكرية، ستنهي وجود حركة الشباب، ميدانياً وعسكرياً، أما إذا لم توظف الحكومة عنصر الدبلوماسية في تفتيت قوة الحركة، فستواجه ولادة جديدة للحركة، وخصوصاً إذا أتيحت لها فرصة التشكل من جديد.
رأي آخر
ولحركة الشباب الصومالية نفسها رأي آخر، بشأن ما أثير من شكوك وقلق عن مستقبلها، حيث يؤكد الناطق باسمها، علي طيري، أنها ستكون باقية وصامدة للإطاحة بالحكومة الصومالية وإخراج القوات الأجنبية من البلاد، بفضل وجود آلاف المقاتلين في صفوفها، لمواصلة الجهاد ضد أعدائها. ومع هذا التأكيد، فإن المتفق عليه أن حركة الشباب ليس أمامها من قوة عسكرية أو رصيد شعبي، أو خيار آخر، يمدد لها البقاء على قيد الحياة طويلاً.