تبدأ العطلة المدرسية في السودان معلنة نهاية عام دراسي في توقيت مختلف عن معظم الدول. والأهم أن التلاميذ يشعرون بالحرية.
هتف تلاميذ في مدرسة الخرطوم العالمية (كيبس) "حرية، حرية، حرية". هي "حرية نهاية العام الدراسي، وبدء إجازة طويلة"، كما يقولون. تبدأ غالبية مدارس التعليم الأساسي والثانوي في السودان إجازة طويلة تستمر مدة أربعة أشهر، ما بين أواخر فبراير/ شباط وبداية مارس/ آذار من كل عام، وتنتهي مع نهاية شهر يونيو/ حزيران.
يقول التلميذ في الصف السابع، مازن جلال، لـ"العربي الجديد": "العطلة الصيفية بالفعل حرية وابتعاد عن الهموم المدرسية، مثل الاستيقاظ الباكر صباحاً، والسهر للدراسة، والجلوس على الكراسي ثماني ساعات يومياً، عدا عن الواجبات اليومية". ويؤكد أنه، هو وزملاؤه، يكونون سعداء في الإجازة الصيفية، التي يقضونها في اللهو واللعب، سواء كرة القدم التي يهواها بشدة أو ألعاب الكمبيوتر مع رفقائه في حي أركويت (جنوب الخرطوم)، حيث يعيش مع أسرته.
لكن إذا كانت الإجازة مصدر سعادة لمازن ورفاقه، فإنّها إلى حد ما، تشكّل مصدر قلق للأسر التي تسعى إلى ملء أوقات فراغ أبنائها، وتجنيبهم اللعب فترات طويلة تحت أشعة الشمس، أو الجلوس ساعات أمام شاشة التلفزيون أو الكمبيوتر أو الهواتف الذكية. كما أنّ غالبية أحداث
الغرق في نهر النيل تحدث خلال العطل، بسبب لجوء كثيرين إلى السباحة فيه.
تقول رجاء محمد، وهي أم لثلاثة تلاميذ، أكبرهم في الصف الثامن، إن الإجازة الصيفية بالنسبة إليها هم وقلق لأنها تعمل موظفة في إحدى الجامعات. حين يكون أولادها في المدرسة، تخرج صباحاً معهم وتعود معهم ظهراً إلى البيت. أما في أيام الإجازة، فيبقون وحدهم في المنزل، ما يجعلها في حالة قلق دائمة. وفي حال خرجوا من المنزل، يزداد قلقها. تقول لـ"العربي الجديد"، إنها تفكّر، على الرغم من ظروفها الاقتصادية الصعبة، في توفير مبلغ مالي وإشراك أبنائها في نواد لتعلّم الجمباز أو السباحة، ما يضمن وجودهم في أماكن آمنة، إضافة إلى تعلّم مهارات جديدة وزيادة ثقتهم في أنفسهم. أما سعيد عباس (47 عاماً)، وهو أب لولدين، فيواجه وزوجته المشكلة نفسها. يقول إنه اعتاد إرسال أبنائه إلى مخيّمات صيفية يتعلّم فيها الأطفال الرسم والاعتماد على النفس والألعاب الرياضية وغيرها.
من جهته، يقول عبد الله، لـ"العربي الجديد"، إن مثل هذه المخيمات تنهي حالة الملل والضيق والكبت والحرمان التي تصيب التلاميذ خلال العام الدراسي، أي لمدة ثمانية أشهر. كما أنه تراجع فيها دروس العام المقبل. ويشير إلى أنه يحاول قدر الإمكان إبعاد أبنائه عن ألعاب الكمبيوتر والهواتف والتلفزيون لأنه ليس فيها أي تفاعل، ولا تساعد في تنمية ذكاء الطفل.
لكن علي مسلم، الذي يعمل مدرساً للغة العربية، لا يفضّل إلحاق التلاميذ بالمخيمات خلال الإجازة، إلّا في حالة واحدة هي تقوية الأطفال في بعض المواد الدراسية. ويطالب مسلم، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، بتخصيص القسم الأكبر من العطلة للعب واللهو.
من جهته، يوضح الخبير التربوي حسين الخليفة، لـ"العربي الجديد"، أن العطلة الصيفية فرصة للتلميذ للترويح عن نفسه وإنعاش ذاكرته. وينصح العائلات بملء فراغ العطلة، من خلال إتاحة الفرصة أمام الأبناء للاطلاع على الكتب الثقافية والمجلات المسلية، والسماح لهم بالمشاركة في تدبير شؤون المنزل، ومساعدة الأب في عمله، لا سيما الآباء الذين يعملون في أعمال يدوية، مثل الزراعة والحدادة والنجارة، وتنظيم رحلات ترفيهية وتربوية مع الأقران أو أفراد الأسرة، وتدريبهم على كيفية إدارة المنزل ليعرفوا معنى المسؤولية، ويمكن إعطائهم مبلغاً من المال والطلب منهم صرفه على المنزل خلال أسبوع.
في السياق نفسه، يقول أستاذ علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في الجامعات السودانية، أشرف محمد أدهم، إن الاستمتاع بالعطل في حد ذاته ذو مردود إيجابي من الناحيتين النفسية والمعنوية، مشيراً إلى أهمية الراحة بعد عناء العمل.
يضيف أن العطلة تُساعد الأطفال في تحصيلهم الأكاديمي في المستقبل، مطالباً الأسر بالاستفادة القصوى من تلك الإجازة الطويلة من خلال رحلات ترفيهية "وفي حال لم يكن في استطاعتهم السفر إلى خارج البلاد، يمكن الاكتفاء بتنظيم رحلات داخل السودان، حتى ولو لأسبوعين فقط.
ويؤكد أن تلك الرحلات تريح التلميذ من عناء أشهر الدراسة، على أن تشمل جميع أفراد الأسرة". ويتابع لـ"العربي الجديد": "بعد انقضاء الرحلة، يمكن استثمار بقية أيام العطلة في الاشتراك في أنشطة رياضية أو فنية أو ثقافية. خلالها، يستطيع الطفل إفراغ طاقته، والتعبير عن نفسه، وتطوير مهاراته، ما يجعله أكثر ثقة في نفسه، وقادراً على تحديد الأهداف بصورة واضحة وتلقائية وغير مكلفة". كما يشير إلى أن الظروف الاقتصادية الحالية في السودان قد تحُول دون تمكن الأسر من تنفيذ برنامج مثالي لأبنائها خلال العطلة، بالتالي يكون الخيار الثاني إتاحة أكبر فرصه للأبناء للخروج من المنزل ولعب كرة القدم وغيرها من الألعاب الرياضية.
إلى ذلك، يحذّر أدهم عائلات التلاميذ من الضغط عليهم قبل بدء العام الدراسي، وإلحاقهم في دورات تأهيلية، وإحضار مدرسين خصوصيين، مؤكداً أن التلميذ قد يشعر بالملل من الدراسة.