يبدو أنّ المعركة في هذه البقعة الجغرافية، بدأت تتّخذ منحى جديداً مع تفوّق واضح للمعارضين، وإخفاقات مستمرة لعناصر الحزب وحلفائه. ويأتي تقدّم الفصائل المختلفة في المعارضة السورية على شكل غزوات، لا ينجح حزب الله في إيقافها، أما سلاح الجو السوري فأضعف من أن يصيب مغاور في الصخر ومراكز في وديان القلمون.
هجّر حزب الله والجيش السوري هذه الفصائل من مدينة يبرود، في قرى قارة ورنكوس ومعلولا وغيرها، فباتت عند الحدود. تتسلّل حيناً للهجوم على البلدات السورية المحتلة، وتتحرّك حيناً آخر باتجاه لبنان لإطلاق الصواريخ على القرى البقاعية المحسوبة على الحزب.
دفع هذا الواقع العسكري القيادة الميدانية في حزب الله إلى اتخاذ قرار نهائي بتهدئة جبهة القلمون حالياً. وبحسب أوساط مطلعة على أجواء هذه المعركة، "أدرك الحزب أنّ الخسائر البشرية ارتفعت نتيجة استعجال قيادته في الحسم". فهمت القيادة أنّ سعيها الحثيث إلى إعلان "نصرٍ إلهيٍّ" جديد حوّل جنودها إلى صيد سهل لمقاتلي المعارضة، وأفقد عناصره أبرز خبراتهم العسكرية إذ تحوّلوا إلى جيش نظامي له مراكزه العلنية ومدفعيته ونقاط إمداده.
فهمت قيادة الحزب أنّ معركة جرد القلمون طويلة، لذا قررت التراجع قليلاً واعتماد مبدأ قضم الأراضي لحين فرض الحصار على المعارضة وقطع كل أشكال الإمداد عنها، أكان من لبنان أو سورية. وبناءً لذلك، قدّرت القيادة أن تستمرّ الأعمال العسكرية في هذا الجرد بين ستة وثمانية أسابيع إضافية. وفي حين خفّت وتيرة الاشتباكات في جرد القلمون، ارتفعت حدّتها في الداخل السوري، حيث تستمرّ المعارك في محيط رنكوس ومحيطها. الأمر الذي من شأنه مضاعفة الضغط على الجيش السوري المسيطر حالياً على بلدات القلمون. كل ذلك مع العلم أنّ حزب الله رفع مستوى الاستنفار في صفوفه، وباشرت عناصره التجمّع في نقاط عسكرية ومدنية عدة أبرزها في مدينة بعلبك، حيث تم استدعاء مئات المقاتلين في تجمّع للغرف الجاهزة بنتها بلدية بعلبك للمهجرين خلال عدوان يوليو/تموز 2006. وتشير المعلومات إلى أنّ هذه المخيّمات تضم مختلف الفئات العمرية من المقاتلين ومن أجيال عسكرية مختلفة، منها من شارك في عمليات المقاومة قبل تحرير عام 2000، ومنها من واجه الإسرائيليين عام 2006، وأخرى شاركت في اجتياح بيروت خلال أحداث 7 مايو/أيار 2008، إضافة إلى مجموعات المقاتلين الذين لم يخوضوا بعد أي تجارب قتالية.
في اليومين الماضيين، توسّعت لائحة "شهداء الواجب الجهادي" في حزب الله، مع نعي القائد العسكري إبراهيم محمود الحاج (المعروف باسم الحاج محمد سلمان). الأخير، بحسب ما يقول العارفين بشؤون الحزب، من أبرز القادة الميدانيين في صفوف حزب الله ومكّنته خبرته العسكرية من تولّي مسؤولية المواجهات العسكرية في عيتا الشعب (عند الحدود اللبنانية ــ الفلسطينية) خلال العدوان الإسرائيلي الأخير (2006).
إلا انّ الحاج محمد سلمان سقط في العراق، على بعد أكثر من 700 كيلومتر عن أراضي فلسطين، أثناء مهمة تدريبية كان ينفذها مع ميليشيات عراقية. فتح الحاج صفحة جديدة في سجلّ حزب الله، باعتباره قتيله العلني الأول على الأراضي العراقية منذ بدء الحرب الأخيرة بين قوات نوري المالكي والفصائل المسلحة المناوئة له. تمدّد عسكر حزب الله من جنوب لبنان إلى بقاعه، ومنه إلى غرب سورية ووسطها، ووصل اليوم بغداد ونينوى لينغمس أكثر في حرب الطوائف، أو ليتربّع سيّداً على هذه الحرب في العراق وسورية.