تنافس لاريجاني مع الإصلاحي محمد رضا عارف، الذي ترشح للانتخابات الرئاسية سابقا وانسحب لصالح حسن روحاني، وفازت لائحة الأمل التي كان على رأسها بمقاعد العاصمة طهران، وهي الدائرة الأكثر ثقلاً خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة والتي جرت قبل أكثر من عامين، فحصل لاريجاني على 147 صوتاً من أصل 279 صوتاً للنواب الذين حضروا تلك الجلسة. لكن التنافس بين هذين الرجلين لم يكن كالمرة الماضية، فقد اضطرا للدخول في جولة اقتراع ثانية، بعد أن قدمت لائحة محافظة اسم النائب الأصولي حميد رضا حاجي بابايي، ليترشح لرئاسة البرلمان، وهو ما أدى إلى توزع الأصوات بين المرشحين ثلاثتهم، فحصل عارف على 114 صوتاً، ولاريجاني على 101 صوت، وبابايي على 54 صوتاً، ولم يحصل أي منهم على نسبة الأغلبية المطلقة وفق ما يفرض الدستور. فانسحب بابايي لصالح لاريجاني، وهو ما انتقده عدد من النواب معتبرين أنه مخالف للدستور، لكن لاريجاني نفسه أكد أن ذلك قانوني، واستهل كلمته بعد أن تنافس مع عارف في جولة ثانية بشكر النواب الذين جددوا الثقة به، داعياً لتحقيق المزيد من الانسجام لحل مشكلات البلاد.
وترشح لبقية مناصب الهيئة الرئاسية عدد من النواب، فحل الإصلاحي مسعود بزشكيان نائباً أول للرئيس، ومن بعده علي مطهري المحسوب على المعتدلين والمؤيد للإصلاحيين والذي أيضاً مثّل جبهة الأمل الإصلاحية في هذه الانتخابات، فحل نائباً ثانياً، ومن بعدهما جاء كل من هادي قوامي وعبد الرضا مصري.
أما تقدم بابايي للترشح فيحمل العديد من المعاني، فلطالما كان لاريجاني الخيار الأمثل حين يكون البرلمان مركباً ويضم الإصلاحيين والمحافظين والمعتدلين على حد سواء، حتى أن هذا الأخير تقدم بترشحه في الاستحقاق التشريعي الماضي كمرشح مستقل عن دائرة مدينة قم، فلم يوضع اسمه لا في لائحة المحافظين الوحيدة، ولا لوائح الاعتدال التي ضمت معتدلين من المحافظين وشخصيات إصلاحية، وحصل على المرتبة الثانية في قم بعد أحمد فراهاني، ليحجز مقعده مجدداً في البرلمان الجديد. وقرأ ذلك في حينه على أنه سيبقى في كرسي الرئاسة الذي جلس عليه منذ دورات سابقة.
الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت بالتزامن مع انتخابات مجلس خبراء القيادة أعادت الإصلاحيين للمشهد بقوة، بعد غيابهم عنه لسنوات إثر أحداث عام 2009، فتفرقت رموزهم منذ احتجاجات الحركة الخضراء، ومنهم من تعرض للتغييب القسري، لكن اتّباعهم لسياسة الاتحاد مع المعتدلين أعادتهم تدريجياً للمشهد، حتى استطاعوا الفوز بمقاعد أكبر في البرلمان بصورته الحالية. وظلّوا في مجلس الخبراء المشرف على عمل المرشد الأعلى، رغم أن المحافظين اكتسحوا العديد من الدوائر، لكن اللوائح المشتركة بين المعتدلين والإصلاحيين فازت بالدوائر الأثقل من قبيل العاصمة طهران، ومع ذلك ظل خيار أن يبقى لاريجاني رئيسا لمجلس الشورى هو الأفضل للكل.
هذه المرة، انتقد كثر لاريجاني بسبب دعمه لحكومة الاعتدال ووقوفه مع رئيسها حسن روحاني، رغم أن البرلمان يجب أن يؤدي دور الرقيب على الحكومة، خصوصاً أنه ما زال مركّباً ويضم الأطياف المحافظة المتشددة. كذلك، دافع لاريجاني مرات عدة عن عمل ومقترحات الحكومة من قبيل عدم رفعها لرواتب الدعم الحكومي، أو تخفيض عدد الأفراد الحاصلين عليها، لتستخدم هذه المبالغ في موازنات ثانية. ومن النواب من اتهم لاريجاني بالوقوف بوجه محاولات إحضار الرئيس لجلسة مساءلة، تتعلق بالجمعيات والمؤسسات المالية، التي تسببت بإطلاق شرارة الاحتجاجات التي خرجت في إيران وحملت شعارات اقتصادية وسياسية على حد سواء قبل أشهر، لأنها أخذت أموالاً طائلة من المواطنين، وتبيّن أن بعضها لم يحصل على ترخيص وإذن حكومي، فاتهم البعض لاريجاني بعدم الموافقة على محاسبة الرئيس رغم كل ما حدث. ومع ذلك نفى رئيس البرلمان الأمر، وقد تراجع عدد من النواب عن طلب المساءلة أخيراً، رغم إصرار البعض الآخر على الاستمرار بمراحله القانونية.
علي لاريجاني الذي يحمل شهادة الدكتوراه في فلسفة الغرب من جامعة طهران، محسوب على الخط المعتدل من التيار المحافظ، وهو من الشخصيات التي تربطها علاقات حسنة وجيدة بالمرشد الإيراني علي خامنئي. تولى لاريجاني عدداً من المناصب في السابق، وكان رئيساً لهيئة الإذاعة والتلفزيون، ووزيراً للثقافة، ممثلاً للمرشد في اللجنة العليا للأمن القومي. وتمّ تعيينه أميناً لمجلس الأمن القومي الأعلى في زمن الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، لكنه استقال من هذا المنصب بعد عامين، ووصل إلى رئاسة البرلمان منذ 2008 وما زال حتى الآن في ذات المنصب الذي يصل إليه باقتراع النواب مرة سنوياً، كونه كان وما زال الخيار المناسب وهو الذي يقف في خط الوسط، كما لا يقف بوجه رغبات المحافظين الكبرى وهم أصحاب اليد الأقوى في عدد من مؤسسات صنع القرار في إيران.