فتح دبلوماسيون أميركيون حسابات مصرفية بالدولار في بنك بالسودان للمرة الأولى منذ عقود، ما يعد مؤشرا مهما على قرب كسر الحظر على السودان، حسب مراقبين تحدثوا لـ"العربي الجديد". وكانت واشنطن رفعت في 2017 الحظر الذي فرض على السودان، لكنها أبقت هذا البلد على لائحتها للدول المتهمة بدعم الإرهاب مما يضر، حسب مسؤولين ومراقبين، بالتنمية الاقتصادية ويبعد المستثمرين الأجانب.
وقال مصدر مطلع بالسفارة الأميركية في الخرطوم، لـ"العربي الجديد" إن الأسبوع المقبل قد يشهد مزيدا من فتح الحسابات بالدولار لجميع موظفي السفارة الأميركية بالخرطوم في بنوك سودانية.
وقال المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، إن هناك تطورا ملموسا بين الحكومة السودانية والولايات المتحدة وتقدماً أيضا في بعض الملفات، مشيرا إلى أنه في السابق لم يكن مسموحا بفتح حسابات مصرفية في بنوك سودانية، ولكن تغير الحال وفقا لتغير الأوضاع.
وقال إن موظفي السفارة الأميركية غير ملزمين بفتح حسابات مصرفية في البنوك السودانية ولكن لتسهيل التعامل المصرفي بالبطاقة المصرفية، قاموا بهذه الخطوة التي سوف تتبعها خطوات أخرى.
وجاءت حكومة رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، نتاج اتفاق بين المجلس العسكري وقوى المعارضة أنهى احتجاجات شعبية ساخطة استمرت شهوراً، وأطاحت بنظام الرئيس السابق عمر البشير.
وكان أربعة من موظفي السفارة الأميركية بالخرطوم قد دشنوا حسابات بنكية بالدولار ببنك الخرطوم، وحسب تغريدة السفارة على "تويتر " فإن ذلك يسمح للموظفين بالمشاركة بصورة مباشرة في الاقتصاد السوداني.
أستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم، الكندي يوسف، قال لـ"العربي الجديد" إن فتح حسابات لدبلوماسيين سودانيين مؤشر جيد للاقتصاد السوداني، مضيفا أن أميركا لها ثقلها إذ أنها تمتلك أكبر اقتصاد عالمي، ولذلك وجود واشنطن كفاعل في البلاد من خلال حسابات مصرفية هو تعزيز للعلاقات بينهما.
واعتبر الكندي أن أميركا تظل تهيمن على جميع مؤسسات العالم الاقتصادية خاصة البنك وصندوق النقد الدوليين، الأمر الذي يمكن أن يستفيد منه السودان خلال الفترة المقبلة من خلال الحصول على قروض ومنح رغم الممانعة الظاهرة.
وترفض المؤسسات المالية الدولية منح السودان قروضا بسبب تفاقم الديون عليها وعدم قدرتها على السداد. وكانت بيانات رسمية قد أظهرت أن إجمالي الدين الخارجي للسودان يبلغ نحو 58 مليار دولار، النسبة الأكبر منه فوائد وغرامات تأخير، موضحة أن أصل الدين الخارجي يتراوح بين 17 و18 مليار دولار، والمتبقي من إجمالي الدين بنسبة 85 في المائة عبارة عن فوائد وجزاءات، بدأت في التراكم منذ عام 1958.
واعتبر المحلل الاقتصادي، هيثم فتحي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الخطوة تعد بارقة أمل وعودة للعلاقات المصرفية مع أميركا، ما يعنى عودتها مع العالم في المجال المصرفي، خاصة أنها لم تشهد تطورا منذ رفع العقوبات عليها.
وفي المقابل، تساءل الخبير المصرفي والمدير الأسبق لبنك النيلين، عثمان التوم: لماذا بنك الخرطوم وليست البنوك التجارية الأخرى؟ موضحا أن البنك فرع لبنك عربي (دبي الإسلامي)، وليس سودانيا خالصا، واعتبر فتح الحساب قد لا يكون مؤشرا لرفع الحظر المصرفي.
الخبير المصرفي، طه حسين، أكد لـ"العربي الجديد" أيضا أن بنك الخرطوم خارج منظومة الحظر المصرفي السوداني لأنه يتبع لبنك إماراتي. ولكنه يقول إن الأمر يبدو بشرة خير، خاصة أن الخبر نشر على موقع السفارة الأميركية وهو بداية طيبة على حد قوله، رغم أن كل المنظمات العاملة في السودان لديها حسابات مصرفية بالدولار، إلا أن فتح موظفين أميركيين لحسابات مصرفية خطوة جيدة.
وقال حسين، إن قائمة الإرهاب يبدو أنها إلى زوال في حال تم التحويل من هذه الحسابات إلى الخارج، واستقبلت بدروها مبالغ مالية.
أما المحلل السياسي، الجميل الفاضل، فيقول إن فتح حسابات أميركية بالعملة الصعبة في البنوك السودانية خطوة إيجابية، ولكنه يرى أنها رسالة سياسية للحكومة السودانية بأن أميركا تستطيع كسر قائمة الإرهاب دون عقوبات من أي دولة.
ويضيف: يبدو أن هناك شروطا سياسية لم تقم بها الإدارة السودانية، ولذلك فإنها رسالة يجب أن تلتقطها الحكومة الانتقالية لتعزيز موقفها، ورسالة أيضا للدول الأوروبية بأن أميركا قد تتجه نحو فك الحظر الذي أرهق الاقتصاد السوداني.
ويعاني السودان، وهو منتج صغير للنفط، من مصاعب اقتصادية كبيرة، منذ انفصال جنوب السودان في عام 2011، حيث استحوذ الجنوب على 75 في المائة من جملة النفط المستخرج في البلاد.