على مدى أسبوع أو أكثر من شهر يوليو/ تموز من كل عام، يسلّط الإعلام في الجزائر الضوء على المتفوقين في شهادة البكالوريا، وتنهال رسائل التهنئة على عموم الناجحين الذين بلغوا 400 ألف ناجح من مجموع أكثر من 700 ألف اجتازوا الامتحان في يونيو/ حزيران الماضي. إلا أنّ الراسبين الذين لم يتمكنوا من تجاوز امتحانات البكالوريا، يشعرون بألم وحسرة، ما يدفع خبراء ومتخصصين في مجال التربية إلى لفت نظر العائلات إلى ضرورة الاهتمام بأبنائها الراسبين، ودعمهم معنوياً، ومساعدتهم على اجتياز هذه الفترة الصعبة من حياتهم.
ويواجه التلاميذ الراسبون في شهادة البكالوريا ضغوطاً كبيرة في أصعب فترة تعقب الإعلان عن نتائج شهادة البكالوريا. وعقب الإعلان عن قوائم الناجحين عبر ولايات الجزائر، يواجه هؤلاء وضعاً نفسياً صعباً، بسبب الخيبة وعدم قدرتهم على إسعاد عائلاتهم. وما يزيد من معاناتهم طقوس الاحتفال بالنجاح، سواء من قبل جيرانهم أو زملائهم. وفي بعض الأحيان، يؤدي الرسوب بتلاميذ إلى الانتحار أو الانطواء لبعض الوقت، والتخلّي عن كل رغبة في الدراسة أو إعادة التجربة العام المقبل، وحسم مسارهم في اختيار حياة مهنية. هكذا قرارات قد لا تكون صحيحة بالضرورة، ما يستدعي التفاتة من العائلة والمقرّبين، واحتضانهم كما يُحتضن الناجحون وتوجيههم.
المدير السابق للمكتبة الوطنية في الجزائر، ياسر قانة، انتبه إلى مدى خطورة الرسوب. لم ينجح ابن شقيقته ياسر في امتحان البكالوريا هذا العام، ما دفعه إلى العمل على رفع معنوياته، مستفيداً من تجارب أشخاص لم يكن الإخفاق الأول كاسراً لحياتهم أو إرادتهم. ويؤكد أن ابن أخته تمكن من تجاوز الظرف الصعب، ونجحت العائلة في رفع معنوياته وإرساله إلى منطقة جيجل الساحلية شرق البلاد لقضاء العطلة والاستعداد للسنة الدراسية المقبلة.
وفي ظل تراجع مستوى التعليم في الجزائر، وارتفاع نسبة البطالة لدى خريجي الجامعات، ووجود أشخاص نجحوا في المجتمع من دون الحصول على شهادات جامعية، تنشط على مواقع التواصل الاجتماعي كتابات وأفكار تحاول الثني من عزيمة الراسبين في السعي مجدداً إلى الحصول على البكالوريا في العام التالي، كنشر صور لحارس مرمى نادٍ ما، والزعم بأنه يحصل على مبلغ مالي كبير شهرياً، على الرغم من عدم حصوله على أي شهادة. لكن الإعلامي عز الدين زحوف، الذي يعمل في مجال التربية والأسرة، ويقدم برامج تلفزيونية ودورات تكوينية في هذا المجال، وجه نداء إلى عائلات التلاميذ الراسبين، ودعاهم إلى احتضان أبنائهم الراسبين ورفع معنوياتهم لوقايتهم من أي رد فعل سلبي عقب الفشل، أو تركهم فريسة للأفكار التي تحاول التقليل من قيمة العلم والشهادة الجامعية، على الرغم من أن النجاح في البكالوريا ليس وحده مقياساً للنجاح في الحياة، كما أن الرسوب ليس مقياساً للفشل. يضيف: "إن لم ينجح ولدك في البكالوريا فاحضنه وارفع من معنوياته. قربك منه وتعاطفك معه واجب ووقاية له".
في بعض الأحيان، يرسب تلاميذ اجتهدوا خلال سنتهم الدراسية بسبب ظروف عايشوها خلال فترة الامتحانات. ويقول المدرس في ثانوية أحمر العين في ولاية تيبازة قرب العاصمة الجزائرية، عبد القادر صادوقي: "هناك الكثير من التلاميذ الموهوبين. وللأسف، النظام التربوي ونحن جزء منه، لا يستطيع اكتشافهم في مرحلة مبكرة أو صقلهم في مراحل أخرى. ويمكن اكتشاف مواهب كثيرة لدى التلاميذ الراسبين"، مشدداً على ضرورة إعادة الثقة لديهم، عن طريق "عدم التهويل بسبب رسوبهم. ويحث على ضرورة تدريب الأساتذة في الثانويات الجزائرية على الجوانب النفسية والتربوية لمساعدة التلاميذ الذين يرسبون في الامتحانات على استعادة ثقتهم في أنفسهم.
ويشير المدرّس إلى تجارب مهمة لإعادة مساعدة التلاميذ الراسبين وشحذ هممهم سواء للدراسة مجدداً، أو اختيار مجالات أخرى. ويقول لـ "العربي الجديد" إنه "في تجربة كل من سنغافورة أو إندونيسيا، وعندما تقترب الامتحانات، ترسل إدارة المؤسسة رسائل إلى أولياء الأمور لتشجيعهم على ضرورة الوقوف مع أبنائهم خلال فترة الامتحانات وما بعد ظهور النتائج، سواء نجحوا أو لم ينجحوا".
تجدر الإشارة إلى أنّ قوانين وزارة التربية تسمح لعدد من التلاميذ الذين لم يعيدوا سنوات دراسية سابقة بمتابعة الدراسة. إلا أن بعض الراسبين في البكالوريا يتوجهون إلى الحياة المهنية. وأيا كان مسار الراسب، فإن الدعم العائلي والاجتماعي لهؤلاء الشباب أكثر من ضرورة لتأمين مستقبلهم.