أعاد الاحتلال الإسرائيلي محافظة الخليل وسكانها إلى سنوات الانتفاضة الثانية عام 2000، عندما باتت الطرق الجبلية الوعرة هي الطرق السالكة الوحيدة أمام عشرات الآلاف من المواطنين والطلاب والعمال، في سياسة عقاب جماعي محكمة.
وعن هذه المأساة، قال عدد من الأهالي والصحافيين، لـ"العربي الجديد"، إنّ أجواء التعزيزات العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي تخلق توتراً شديداً، فضلاً عن الإغلاق المحكم، والذي أعادت المحافظة إلى سنوات الانتفاضة الثانية، عندما كانت الطرق والشوارع مغلقة أمام الفلسطينيين، ما اضطرهم إلى سلك الجبال حينها في محاولة لكسر الحصار.
وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية قد نقلت، أمس الجمعة، قرارات حكومة الاحتلال في أعقاب العمليتين المتلاحقتين في محافظة الخليل، واللتين أدتا إلى مقتل وجرح عدد من المستوطنين. ونفذ العملية الأولى الشهيد محمد ناصر طرايرة (19 عاماً)، من بلدة بني نعيم شرقي مدينة الخليل، بعد تنفيذه عملية طعن داخل مستوطنة "خارسينا" المقامة على أراضي الفلسطينيين في مدينة الخليل، أما العملية الثانية، فجرت أمس، بعد إطلاق النار على مستوطن في شارع محاذٍ لمخيم الفوار قرب الخليل.
وفي أعقاب ذلك، قررت حكومة الاحتلال "تعزيز الجهود الميدانية والتواجد العسكري في منطقة الخليل، إذ تقرر تعزيز عدد القوات وفرض طوَّق أمني على كل منطقة الخليل".
كذلك تقرر "سحب جميع تصاريح الدخول إلى إسرائيل من سكان بني نعيم". وتوعد جيش الاحتلال: "بمواصلة الجهود الميدانية والاستخبارية في الأيام القليلة المقبلة حتى الوصول إلى الخلية التي نفذت العملية الأخيرة".
ويتناقل أهالي الخليل أخبار الحصار على مدنهم وقراهم، في محاولة لإيجاد طرق جبلية وترابية بديلة، تُمكّنهم من الوصول إلى المراكز الطبية والجامعات وأماكن عملهم.
وفي هذا السياق، نقلت صفحة أخبار "حواجز الاحتلال"، والتي يديرها فلسطينيون لتنبيه المواطنين إلى وضع الطرق والحواجز، خريطة كاملة تظهر حالة الإغلاق والحصار المطبق على محافظة الخليل ومدنها وبلداتها وقراها.
معتقلات جماعية
وحتى اللحظة فقد أغلقت مداخل كل من مخيم العروب بالسواتر الإسمنتية، بالإضافة إلى بيت أمر، حلحول، مدخل النبي يونس المؤدي إلى الخليل، ومدخل النبي يونس المؤدي إلى سعير بالسواتر الإسمنتية.
ويتواصل أيضاً إغلاق مداخل كل من بيت عينون المؤدي إلى سعير بالبوابة الحديدية، ومدخل بيت عينون المؤدي إلى الخليل، إلى جانب إغلاق كافة المداخل المؤدية إلى بلدة بني نعيم، وإغلاق مدخل مخيم الفورا، ومداخل دورا الشرقي الفوار جنوب الخليل، ومداخل يطا بالسواتر الترابية، ومداخل قرى دورا (كرمة، خرسا، صره، دير رازح، واد الشاجنة) بالسواتر الترابية.
وأغلقت الطريق الرابط بين منطقة خرسا والصرة غرب الخليل، والحاجز الذي يفصل القرى الغربية بين بيت عوا والمجد، ما يعني أن كل المدن والبلدات والقرى المذكورة باتت عبارة عن معتقلات كبيرة لا يستطيع أحد الدخول إليها أو مغادرتها.
ولخّص رئيس بلدية بني نعيم، محمود مناصرة، لـ"العربي الجديد"، الوضع قائلاً: "نحن معزولون عن العالم بشكل كامل، بعد أن تم إغلاق مداخل مدينة يطا الرئيسة بالسواتر الإسمنتية والترابية والبوابات الحديدية، ما يعني أن هناك 27 ألف نسمة معتقلون في بلدتهم منذ خمسة أيام".
وتابع مناصرة: "قدمنا مناشدات لجميع العالم أن البلدة تختنق والأهالي يمرون عبر الطرق الجبلية الخطرة للذهاب إلى المستشفيات والجامعات وأماكن عملهم، لكن لم يسمع أحد نداءنا".
ولفت إلى أنه "تم تخصيص المدخل الجنوبي للبلدة لإخراج الحالات الإنسانية بعد تنسيق بين الارتباط الفلسطيني والإسرائيلي، لكن هذا الاحتلال يماطل بإخراج المرضى".
وبحسب مناصرة فقد تم إلغاء نحو 2700 تصريح للعمال والتجار، كانت سلطات الاحتلال قد منحتهم لأهالي المدينة، وذلك كعقاب جماعي على العملية الفدائية التي قام بها الشهيد محمد ناصر طرايرة وأسفرت عن قتل مستوطنة.
وشدّد رئيس البلدية على أن أهالي البلدة مستهدفون من قبل قوات الاحتلال، إذ تم قتل المواطنة سارة الحجوج خلال تواجدها أمام بوابات الحرم الإبراهيمي بدم بارد، ليرتفع عدد شهداء البلدة إلى أربع شهداء منذ بداية الهبة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
مأساة يطا
أمّا مدينة يطا فتعيش وضعاً لا يقل مأساوية وعزلة عن بقية المدن والقرى في الخليل، إذ بدأ حصارها قبل عشرة أيام بعد تنفيذ ابني العم مخامرة عملية إطلاق نار فدائية في قلب مدينة تل أبيب.
وعن الوضع في يطا، قال رئيس إقليم حركة "فتح"، كامل مخامرة: "هناك 120 ألف مواطن يعيشون أقسى عقوبات جماعية ممكنة، بعد إغلاق جميع مداخل المدينة وعزلها عن العالم".
وأوضح مخامرة: "الأمر لم يتوقف منذ عملية أبناء العم مخامرة، حيث تعيش المدينة اقتحامات ليلية مستمرة، تسفر عن اعتقالات يومية لأبناء مدينة يطا".
وبحسب مخامرة فإنّ إغلاق يطا يعني بالضرورة إغلاق بلدية الكرم، وعزل 15 مجلساً قروياً وتجمعاً بدوياً، تتبع جغرافياً وإدارياً لـ"يطا"، عن يطا أولاً وعن العالم ثانياً".
وقال أيضاً "نعيش حصاراً حديدياً مطبقاً، واقتحامات ليلية مرعبة لحصد مزيد من المعتقلين من أبناء المدينة".