يمكن إحصاء 40 شخصاً على الأقل. معظمهم يتكدسون فوق بعضهم البعض. معظمهم يغرق في النوم ملتصقين بالذين بقربهم. ومنهم من لا يجد مكاناً للنوم، فاختار الجلوس بانتظار دوره على الأرجح، نظراً لضيق المكان. أوضاعهم تبدو مزرية وقسمات وجوههم المتعبة تشي بحجم معاناتهم.
للوهلة الأولى، يمكن للناظر إلى الصورة أن يعتقد أنها مسرّبة من السجون السورية. النظام هناك تفنن في التنكيل بالمعتقلين منذ بداية الثورة قبل أكثر من ثلاثة أعوام. شهادات الذين كتبت لهم النجاة من سجون بشار الأسد، كفيلة بأن تحيل الصورة إلى أحد أقبية السجون في دمشق. لكن سرعان ما يتضح، وفقاً لتأكيدات بعض الناشطين، أنها في مصر، وتحديداً في القاهرة، في سجن الاستئناف، الدور الرابع، في العنبر رقم 10.
لم يخرج أحد في النظام حتى اللحظة للقول إن الصورة مفبركة، أو حتى لتبرير ما تكشفه.
لا يظهر أن النظام المصري في الأساس يأبه لصورته في الداخل، أو بشكل أدق قد يريد تعميم هذه الصورة عنه: الوحش الذي لا يردّه أحد. المتفلت من أي ضوابط أخلاقية، المنكل بالمعتقلين رجالاً ونساء وأطفالاً. أحد عناصره لن يتردد في اغتصاب طالبة داخل مدرعة، ورجال أمنه لن يتورعوا في ضرب طفل لمجرد خروجه للمطالبة بتعليم أفضل.
يُختصر شعاره للمرحلة الراهنة بـ"البطش الذي لا حدود له". وهو بطش يتخذ من القاهرة مركزاً له. يريد النظام الحالي أن يجعلها عاصمة القهر السياسي أولاً وأخيراً. يظن أن الرعب الذي ينشره بين المصريين سيجعلهم ينكفئون. فلن يخرج أحدهم بعد فترة ليرفع أي مطلب سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، ما دام يدرك أن هناك منظومة من القمع والقهر تعمل على مدار الساعة لإخماد صوته.
لكن عاجلاً أم آجلاً، سيضطر النظام الحالي إلى أن يعيد حساباته. مؤشرات الغليان حاضرة وبقوة. والسجون لن تتسع قريباً للمزيد من الجثث الحيّة. وفي أقل تقدير، سيخرج من هذه السجون المئات من الناقمين عليه والمصممين أكثر من أي وقت مضى على استكمال المعركة ضده.
من لديه أدنى شك داخل دائرة النظام في ذلك، عليه أن يعيد النظر في ضحكة الناشطة ماهينور المصري في سجنها، ويعيد الاستماع لها من داخل القفص، وهي تردّد بثبات "ثورة حتى النصر، ثورة في كل شوارع مصر"، و"التظاهر لينا حق، القانون بتاعكم لأ"، محوّلةً قاعة المحكمة التي تقاضيها بسبب تظاهرها، إلى تظاهرة صغيرة. بذلك، حوّلت ماهينور السجّان الذي سارع لإسكاتها عبر إخراجها من القاعة، إلى سجين لصدى شعاراتها التي كانت ترددها، تماماً مثلما سيتحول النظام الحالي إلى سجين ممارساته، بينما لن يستطع أن يكسر الحق في الاعتراض والثورة الذي كرسّه المصريون منذ ثورة 25 يناير.