حفلة الإبرة والخيط السورية
قدرت عالياً موقفها المبدئي، وشكرت الله كثيراً على أنها لم تقبل عرضي بالمساعدة، خوفاً من الإحراج الذي كنت سأتعرض له، في حال فشلي في أداء مهمة باتت صعبة، حتى لمن هم في مثل عمري، وقد تجاوزت الخمسين.
وتابعت طريقي، وأكملت سقاية نباتاتي وشجرتي في حديقة السطح، والتي أصبح عمرهما من عمر الأزمة السورية، وحين زرعتهما، كنت أقول لنفسي: أن تزرع شجرة خير من أن تلعن (الطليان). والتي لازلت أذكر تعليق أحد أصدقائي عند زراعتهما بقوله: سيصبح جذع الشجرة بعرض نصف متر قبل أن تنتهي هذه الأزمة. ومن يومها، وأنا أسقيهما يومياً علّ جذعهما يصل إلى ذلك البعد في أقصر مدة ممكنة!
وفي طريق عودتي إلى شقتي، وبعد أن أكملت مهمتي في السقاية، فاجأتني أم ميخائيل بأنها لازالت تحاول، وبدون كلل أو ملل، إدخال ذلك الخيط اللعين في تلك الإبرة. لكنني أدركت أن شيئاً ما تغير في نظراتها التي بدأ يتسلل اليأس إليهما، بعد أن كان يملأهما الأمل والتفاؤل.
تسللت إلى شقتي، بدون أن أتكلم، لأنني أحسست، عندها، بأن أي كلمة ستجرح مشاعرها. ولأنني أعرف أن عرضي بالمساعدة غير حقيقي!
لا أعرف ماذا حصل بعدها، لكن أم ميخائيل مشهورة بصبرها وعنادها في الحي الذي نقطن فيه، ولن تستسلم بسهولة، وخوفي إن اضطرت للاستسلام مرغمة أن تمزق ذلك الثوب الذي كانت تنوي أن تخيطه بتلك الإبرة والخيط!
لعن الله ضعف البصر والبصيرة الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه.