يختلف السودانيون، مواطنين وناشطين، في تحديد الأولويات التي من شأنها أن تنهض بحقوق الإنسان في حال حصول المواطنين عليها، وترتفع الشكاوى من الانتهاكات الحقوقية الواسعة على مختلف الصعد. في المقابل، ترى الجهات الرسمية في البلاد أن اتهام الحكومة بانتهاك حقوق الإنسان الغرض منه تشديد العقوبات وتنفيذ أجندات خارجية.
"العربي الجديد" التقى المواطن السوداني قمر الدولة زين العابدين (47 عاماً)، الذي رأى أن تحسين الظروف المعيشية للسودانيين هو الأساس وتأتي بعده الحقوق الاجتماعية والاقتصادية. واعتبر أن على الحكومة أن تولي الأولوية لمستلزمات العيش الأساسي للناس من غذاء ودواء، على اعتبار أن ارتفاع أسعار السلع الأساسية من خضر ولحوم وألبان وحتى السكر، إضافة للارتفاع الجنوني لأسعار الأدوية وندرة بعض أصنافها المنقذة للحياة تجعل حق الناس بلقمة العيش مهدورا.
وطالب زين العابدين الدولة بمعالجة الأزمة الاقتصادية الراهنة التي بسببها تدهورت قيمة الجنيه السوداني، مؤكدا أن حل المشاكل المعيشية سيكون المدخل لحل الأزمة الاقتصادية ويليه إصلاح قوانين حقوق الإنسان في البلاد. كما انتقد منظمات المجتمع المدني الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان لأنها تركز على القضايا السياسية في البلاد وتتجاهل البعد المعيشي للناس.
أما المواطنة سوسن سليمان (27 عاماً)، فأوضحت لـ"العربي الجديد"، أنها لا تتفق مطلقاً مع ما ذهب إليه زين العابدين. وقالت إن المعالجة تبدأ من حلّ مشاكل الواقع السياسي ووقف انتهاكات حقوق الإنسان، لأنه المدخل الصحيح لعلاج المشكلات الاقتصادية والتنموية، معتبرة أن "كرامة الإنسان لا تكتمل بتحسن أوضاعه المعيشية".
مكتب قُطري للأمم المتحدة في الخرطوم
ويكرر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة انتقاد السودان في تقاريره، و"ممارسات الحكومة القمعية التي تنتهك الحقوق المدنية والسياسية الأساسية، وتقيّد الحريات الدينية، وتتجاهل الالتزامات بحماية المدنيين بموجب القانون الإنساني الدولي". كما تركز التقارير الدولية على ما يحدث في مناطق النزاعات، لا سيما في دارفور (غرب).
كما تطالب المنظمات الدولية بتحقيق العدالة لضحايا النزاع، كما تندد باعتقال السياسيين والناشطين والطلاب والحقوقيين، فضلاً عن انتهاكات مرتبطة بحرية التعبير، والتدخل بالعمل الصحافي، ومصادرة الصحف بعد الطباعة كإجراء عقابي وتأديبي، ناهيك عن القوانين التمييزية ضد المرأة وحرمانها من حقوق كثيرة.
ويشار إلى أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة باشر قبل سنوات عدة برصد ممارسات الحكومة السودانية حيال حقوق الإنسان. واتخذ المجلس منذ أشهر عدة قراراً بإنهاء ولاية الخبير المستقل المعني بمراقبة حقوق الإنسان في البلاد، وحدد فترة أقصاها سبتمبر/ أيلول 2019 لتنفيذ القرار، شرط أن يتوصل السودان لاتفاق مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان يقضي بفتح مكتب قُطري للمفوضية في البلاد.
كما أشاد المجلس بطرح الخرطوم مبادرة لإنهاء الحرب في جنوب السودان، واستضافة ملايين اللاجئين من دولة جنوب السودان، إلا أن ناشطين سودانيين يؤكدون أن الانتهاكات لا تزال مستمرة في كل المجالات، مقللين من حجم الإشادات.
اعتقال الناشطين والصحافيين
أما الناشط في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، البراق النذير الوراق، فأوضح لـ"العربي الجديد"، أنه خلال العام الجاري حدثت انتهاكات خطيرة في البلاد، منها اعتقالات طاولت محتجين سلمين في يناير/ كانون الثاني الماضي، لافتاً إلى أن المتظاهرين احتجزوا لفترات طويلة، بمن فيهم نساء وصحافيين.
وأضاف الوراق "للأسف الحكومة لا تقيم أي اعتبار للتعهدات أمام المجتمع الدولي، ولا تحترم الالتزامات والمواثيق الدولية والتي صادق عليها السودان"، مؤكدا أن "الحكومة ارتكبت على مدى العقود الثلاثة الماضية كافة أشكال الانتهاكات لحقوق الإنسان، ورغم رفع العقوبات الأميركية التي كانت حجتها الدائمة أمام المحافل الدولية لتبرر تراجع الاقتصاد وتعثر الإصلاحات الديمقراطية، إلا أن الطين زاد بلة"، مستبعداً أن يكون العام المقبل أحسن حالاً.
ورأى الوراق أن مسألة حقوق الإنسان ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالاقتصاد والاستقرار الاجتماعي والتوافق السياسي، وقال: "إذا لم تنظر الحكومة لأولويات الإصلاح من هذا المنظار سنشهد المزيد من انهيار الدولة وانتشار الفساد وضياع البلاد" .
الموقف الرسمي... "الحقوق بألف خير"
ويختلف الموقف الرسمي عن سابقاته حكماً، وأعربت منى أبو العزائم، عضو المفوضية القومية لحقوق الإنسان السودانية، عن اعتقادها بأن تضخيم حجم انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد يندرج ضمن حملة قديمة هدفها ترويض السودان، أو تعريضه للعقوبات بصورة مستمرة.
وأوضحت أبو العزائم لـ"العربي الجديد"، أن "مسالة الحقوق تمضي من تطور إلى آخر، وهذا ما شهدت به كثير من المنظمات التي لا تحمل أجندة ضد السودان"، مشيرة إلى أن "أهم تطور حدث في مجال حقوق الإنسان تمثل بصدور قانون الطفل الذي حفظ حقوق الطفولة بالكامل".
وفي مجال حقوق المرأة، قالت: "إن المرأة السودانية تتمتع بحقوقها كاملة، وقانون الانتخابات الأخير حدد نسبة مشاركة المرأة بـ30 في المائة في كل مستويات الدولة". وأشارت إلى أن "سؤال المجتمع الدولي الدائم للسودان عن تطبيق عقوبة الإعدام، يكون ردّ الخرطوم عليه واضحاً، بأن تلك العقوبة مرتبطة بتشريع ديني، وبالتالي لا يمكن التخلي عنها".
وأكدت أبو العزائم أن "الخرطوم مصممة على مواصلة مسيرة تطوير الحقوق، وإن قرار الحكومة بوقف إطلاق النار في كافة مسارح العمليات سيساهم في تحسين الموقف". وأقرت "بضرورة مراجعة قانون النظام العام المثير للجدل، والمعني بتوقيف السيدات وتقديمهن للمحاكمة بسبب أزيائهن، وهذا ما تعكف عليه مفوضية حقوق الإنسان مع الجهات الأخرى".
وأكدت أن "الممارسة السياسية في السودان تتم بحرية كاملة بدليل وجود أكثر من 100 حزب في البلاد، وكذلك الممارسة الإعلامية. كما أن الانتخابات تجري في مناخ ديمقراطي والشعب حر في أن يصوت لمن يشاء". وأكدت أن توصيات الحوار الوطني أبدت اهتماماً كبيراً بموضوع حقوق الإنسان، لافتة إلى اهتمام الحكومة أكثر بالانتهاكات في مناطق النزاعات خاصة في دارفور، حيث عينت مدعيا خاصا لدارفور، وأنشات محاكم خاصة للغرض ذاته.