في أحد أحياء البلدة القديمة بمدينة نابلس في الضفة الغربية المحتلة، يرتفع برج الساعة. تروي جدرانه الكثير من حكايات الماضي. ولكبار السن على وجه الخصوص ذكرياتهم الخاصة والجميلة. تتبدل الوجوه والمعالم المحيطة به، ويبقى هو على حاله، باستثناء بعض التعديلات البسيطة التي تهدف إلى الحفاظ عليه.
يرجع تاريخ برج الساعة في حي المنارة إلى العهد العثماني، فقد شُيّد وسبعة أبراج أخرى في فلسطين احتفالاً بمرور 25 عاماً على اعتلاء السلطان عبد الحميد الثاني العرش العثماني عام 1901. النقشُ الرخامي على أحد مداخل البرج يشي بكلّ شيء. ما زال أهالي نابلس على علاقة وطيدة به؛ حيث يعتبرونه معلماً أثرياً بالغ الأهمية، يقصده الكثيرون لأنه يذكرهم بالماضي. الحاج علاء رضا هو أحد هؤلاء، يقول إنه عايش تفاصيل المكان. ورغم أنه لم يشهد تدشينه عام 1901، إلا أنه يذكر مدى حرص العثمانيين على الاهتمام به في ذلك الوقت.
يُضيف أنه أشرف على بناء برج الساعة القائم مقام حامد شاكر فضلو. ويوضح أن البرج "كان يتوسط نابلس، إلا أن المدينة تغيرت جغرافياً الآن. كان يقع وسط ساحة كبيرة، ولا تحيط به المنازل. أما اليوم، فقد حاصرته الكثير من البيوت". ويشرح أن "السلطنة العثمانية لطالما اعتبرت برج الساعة بمثابة رمز في المنطقة؛ لذلك حرصت على الاهتمام به إلى درجة كبيرة".
وكانت السلطنة العثمانية شيدت خلال المناسبة عينها سبعة أبراج، أحدها في مدينة القدس المحتلة، إلا أنه تم هدمه خلال فترة الانتداب البريطاني. أما الأبراج الأخرى، فهي موجودة في يافا وحيفا وصفد والناصرة وعكا. ما يعني أن برج الساعة في نابلس هو الوحيد في الضفة الغربية. أما الأبراج الأخرى، فتقع حالياً داخل الخط الأخضر.
وبرج الساعة هو بناء مربّع الشكل، يتكون من أربع طبقات، تم بناؤه بإتقان كبير، شرفته ونوافذه الحجرية تحاكي حرفية عالية في البناء. وتوجد ساعةٌ في كل جهة من جهاته الأربع. وقبل أن ترتفع الأبنية الكثيرة حوله، كان بإمكان أهالي نابلس معرفة الوقت بشكل دقيق بمجرد النظر إليه، لكن بات الأمر مستحيلاً اليوم.
في السياق، يقول الحاج السبعيني محمد حمدان إن "امتلاك ساعة في بداية القرن العشرين كان أمراً صعباً بالنسبة للكثيرين. وكان الأثرياء فقط يضعون ساعات في أيديهم. لذلك، شكل برج الساعة طاقة فرج للناس لمعرفة الأوقات. يكفي أن ينظر الناس من النوافذ ليعرفوا الساعة".
إذاً، كانت هذه الساعة بمثابة الضابط لمواعيد الناس في المدينة. ويجلس على مقربة من البرج موظف خاص مسؤول عن صيانة الساعة، التي باتت رمزاً لهذه المدينة.
في الوقت الحالي، تسعى تركيا إلى الحفاظ على هذا المعلم الأثري. وعمدت إلى إعادة ترميمه، وافتتح مجدداً عام 2012. في السياق، يؤكد رئيس بلدية نابلس غسان الشكعة أن "برج الساعة سيبقى معلماً أثرياً بالغ الأهمية بالنسبة لأهالي مدينة نابلس".
وتُشرف الوكالة التركية للتنسيق والتعاون في فلسطين على تنفيذ العديد من المشاريع الرامية إلى الحفاظ على الآثار العثمانية في فلسطين. وترى الوكالة أن "الحفاظ على الإرث التاريخي العثماني في فلسطين مسؤولية مشتركة بين الجانبين التركي والفلسطيني".
وبالإضافة إلى برج الساعة، هناك العديد من المعالم الأثرية العثمانية في مدينة نابلس، على غرار سرايا الحكومة العثمانية التي تقع في حارة القريون في البلدة القديمة. ويرجع بناؤها إلى القرن السادس عشر الميلادي، وهي بناء ضخم يتألف من طابقين. وكانت مقراً لكافة دوائر الحكومة العثمانية، إلا أنها أهملت بعد انهيار السلطنة، وتحولت إلى دار للسكن ومعمل للحلويات.
بانوراما نابلس
يروي محمد كنعان حكاية برج الساعة (يقع في ساحة المنارة). يقول إنه "في ما مضى، كان عشاق المدينة يصعدون إلى البرج، ليروا من فوق كل تاريخ المدينة ومعالمها الأثرية، منها دوار الشهداء، والحارات، والشيخ مسلم، وقصر عبد الهادي". ويضيف أن "ساحة المنارة ما زالت تحتفظ بتراثها بعض الشيء. فيها أُقيمت معامل لصناعة الأثاث الذي يُعتبر جزءاً من تراث المدينة التي تشتهر بهذه الصناعة".