يقول أبو صلاح، الرجل الستيني من منطقة سلقين، وصاحب أرض زيتون لـ"العربي الجديد": "أنهينا منذ عدة أيام قطاف الزيتون. لدي أرض مشتركة واسعة مع أبناء عمي، اجتمع شباب العائلة جميعهم للتعاون. قطاف الزيتون عندنا مناسبة جامعة كالأعراس، الكبار والصغار ينزلون إلى الأرض ليشاركوا بالقطاف، يتركون أعمالهم أياماً حتى إنهاء القطاف. بالرغم من الجهد والبرد إلا أن للقطاف متعة كبيرة، على الجميع أن يستيقظ باكراً لتجهيز الأدوات والنزول إلى الأرض، خلال هذه الأيام يتفرغ الجميع، على الغداء نأكل من الزوادات، إذ لا يتاح للنساء طهو الطعام بسبب العمل".
ويضيف "أشارك في القطاف منذ صغري مع والديّ وعائلتي، في السابق كان للقطاف بهجة أكبر، فرصة لتبادل الأحاديث والنكات والحكايا وأغاني العتابا والميجانا، لكن أخيراً لم يعد أكثر من واجب، بعضهم يجده ثقيلاً، حتى أن هناك عائلات لم يعد لديها شباب يساعدونها بالقطاف فمنهم من هاجر ومنهم من مات، وصاروا يستعينون بالعمال المأجورين".
بين اليوم والأمس
في العديد من قرى ريف إدلب يتوارث الأهالي مزارع الزيتون أباً عن جدّ، ولا يفرطون فيها مهما ساءت أحوالهم، ومن المتعارف عليه أن من تضطره الظروف المادية للتخلي عن شيء من أملاكه، يمكن أن يبيع أي شيء عدا أرض الزيتون.
أبو عمر (65 عاماً) من جبل الزاوية يقول "أرض الزيتون لا يفرط بها، من يتخلى عن أرضه كمن يتخلى عن زوجته. مساحة أرضي 10 دونمات ورثها أبي عن جدي، وعمر أشجارها 65 سنة، في صغري كنت أخرج مع أبي وجدي للعناية بها، وأنا اليوم أخرج مع أولادي و4 من أحفادي لتلك المهمة. شجر الزيتون حنون على صاحبه، نستخدم زيته للطهي وفي المؤن وفي معظم طعامنا".
يضيف "قطاف الزيتون متعب لمن هم في عمرنا، لكنه تعب جميل، أول مرة رأيت فيها زوجتي كان خلال قطاف الزيتون، وتقدمت لخطبتها بعدها، في أيامنا كان الناس يتعاونون مع جيرانهم في القطاف، أما اليوم بالكاد تجد من يقبل من عائلتك مشاركتك بالقطاف".
وساهم انخفاض وتيرة العمليات العسكرية في الآونة الأخيرة في المحافظة، وتوقف قصف الطيران بعودة طقوس خروج العائلة بأكملها من رجال ونساء وأطفال مقارنة مع الأعوام الماضية. وعادت الفرحة المرافقة للموسم. ويقول عبد الكريم الأسود من ريف إدلب: "في الموسمين الماضيين، كان الرجال يخرجون فقط، نقطف الزيتون وعيوننا على السماء لاستطلاع الطيران، ونمشي في الأرض بحذر خوفاً من قنبلة غير منفجرة هنا أو هناك، هذا العام أفضل قليلاً بعد أن خف وجود الطيران منذ الشهر الماضي".
ويضيف: "خلال السنوات الماضية خسرت نحو 10 بالمائة من أشجار الزيتون في أرضي بسبب القصف، وهناك من خسر أكثر من هذا، كما أن العائد انخفض كثيراً. عام 2011 بعت مائة وخمسين غالون زيت بعد انتهاء الموسم، ومنها تدبرت مصاريف زواج اثنين من أولادي، أما اليوم بالكاد يكفي لتجهيز مؤن البيت، وشراء مازوت الشتاء".
صعوبات القطاف والتسويق
يقول عبد الكريم: "وقفت الأسبوع الماضي منذ العاشرة صباحاً لحجز دور في المعصرة بالقرب من مدينة سلقين، لكن دوري لم يحن قبل العاشرة ليلاً، في السابق كان هناك الكثير من المعاصر، ومن لا يجد معصرة متوفرة يذهب لحلب أو عفرين أو حماة، فالطرق مفتوحة والحالة الأمنية مستقرة. اليوم أصبحت أعدادها أقل، بسبب تعطل وقصف الكثير منها، ونتيجة لقلة معدات الصيانة التي كانت تأتي غالباً من إيطاليا".
ويضيف "ارتفعت أجور عصر كيلو الزيتون كثيراً، في السابق كانت لا تتجاوز الليرة السورية الواحدة، أما اليوم فتتراوح بين 10-15 ليرة، بسبب اعتماد المعاصر على المولدات العاملة على الديزل للحصول على الكهرباء. كما أن موجة الحرّ المبكرة هذا العام وقلة الأمطار أدت لتراجع ملحوظ في المحصول وصل للنصف لدى بعضهم، كما أن ارتفاع أسعار المحروقات المشغلة لمولدات ضخّ مياه الري أدت لعزوف الكثيرين عن السقاية. للأسف صار عائد الزيتون لا يجني همه".
ويعد شجر الزيتون مصدر الدخل الوحيد للكثير من العائلات حتى اليوم، ومنهم أبو فهد الذي يقول "لدي أراض واسعة وكنت أعتمد على الزيتون في تغطية مصاريف نصف سنة، ونتزود منه بـ 15 غالوناً من الزيت لنا ولأقاربنا، هذا العام بعت كل الزيت لم أتذوق منه قطرة، اكتفيت بما تبقى لدينا من العام الماضي، فلم يعد مربحاً، انخفضت قيمة زيت الزيتون كثيراً، كان في السابق يصدّر أما اليوم بالكاد تجد من يشتريه".
من جهته، يقول الناشط الإعلامي، فايز الدغيم، من منطقة معرة النعمان لـ"العربي الجديد": "في 2011 كان سعر ليتر المازوت 7 ليرات، اليوم يصل إلى نحو 250 ليرة، وبالتالي أصبح من المستحيل ريّ الأراضي، فتراجع الإنتاج كثيراً، ويتراوح سعر تنكة الزيت سعة 16 كلغ بين 25 و30 ألف ليرة، فيما كان سعرها سابقاً لا يتجاوز ثلاثة آلاف ليرة".
وأدى ارتفاع الأسعار وحالة الفقر التي يعيشها الأهالي، والذين يقيم كثيرون منهم في المخيمات الحدودية بعد دمار بيوتهم، إلى ضعف في التسويق.
جمال الحاج محمد، أحد تجار الزيت، يتحدث لـ"العربي الجديد": "كانت المنتجات تصل لكل سورية، وتصدر للخارج، أما اليوم فالتسويق ضمن المحافظة ضعيف بسبب سوء الأوضاع المالية، ومن يرغب بنقل محصوله للمناطق الخاضعة لسيطرة النظام، عليه دفع أجور تكاليف النقل، إضافة لإتاوات كبيرة تفرضها حواجز النظام الأمنية الموزعة على الطرق، وخطورة مصادرة وسرقة كميات من المنتجات أثناء نقلها، الأمر الذي يفرض علينا رفع سعرها كثيرا. يضاف إلى ذلك عزوف المشترين عنها رغم جودتها العالية، ومنافسة الزيتون القادم من الساحل السوري، الذي ينتقل لدمشق وحماة والمناطق الأخرى بسهولة أكبر دون دفع هذه المبالغ".
وقود الشتاء
بعد انتهاء موسم القطاف، يبدأ المزارعون عادة بتقليم الأشجار، كنوع من الخدمة الزراعية، للحصول على إنتاجية أكبر في العام التالي، ورغم علمهم أن عملية التقليم يجب أن تتم وفق شروط علمية وتقاليد دقيقة، من أجل الحفاظ على سلامة الأشجار، لكن الحاجة الماسة للحطب والذي وصل سعره لنحو 75 ليرة سورية للكيلو الواحد، يدفع الكثيرين اليوم نحو التقليم الجائر، للحصول على حطب التدفئة والطهي في الشتاء، في حين انتشرت في المقابل بعض حالات سرقة الأشجار واحتطابها في الشتاء بسبب الفقر.
وتقوم معامل خاصة، بجمع مخلفات عصر الزيتون، وتصنيعها وصبها بقوالب تعرف بالتمز أو البيرين، والتي تستخدم وقوداً للتدفئة والطهي، لغناها بالزيت. ولكن نتيجة اعتماد هذه الصناعة على توفر البنزين أساساً وارتفاع سعره، أدى لغلاء سعره من نحو 10 ليرات في 2011 لنحو سبعين ليرة هذا العام، الأمر الذي منع الكثيرين من استخدامه في التدفئة.