ليس غريباً أن يهتمّ الفنان التشكيلي العالمي السوداني الأصل إبراهيم الصلحي، بشجرة الحراز ليظهرها في 27 لوحة تشكيلية في معرض أقيم في أكسفورد ببريطانيا. قال: "كنت أشير إلى السودان في ما سبق بلون تراب الأرض وبلون المغرب الأصفر والأحمر، ومنذ سنين ركّزت على فكرة شجرة الحراز التي يُحكى أنّها حاربت المطر، وأنا أستخدمها رمزاً لإنسان تتمثّل فيه قوة الشكيمة والإصرار على الحياة رغم فظاعة الظروف وقسوة الطبيعة والجفاف والتصحّر. وكنت أستخدم بدلاً من الداكن من ألوان التراب ألواناً برّاقة تحاكي في رونقها نضارة نوار البرم وأزاهير اللوبيا على ضفاف نهر النيل، بشارة بروح الأمل". وقد سبق الصلحي ولحق به عدد من المبدعين الذي استلهموا الظاهرة الفسيولوجية للشجرة في حياتهم الاجتماعية وعلاقاتهم ونقلوها إلى مختلف ميادين الإبداع.
الحراز هي الشجرة الأكثر غرابة في السودان وأفريقيا، إذ تبدو عارية من أوراقها حين تتّشح الأشجار بالخضرة الداكنة، إلا أنّ الحكمة في ذلك يعرفها من يزرع تحتها لأنّها تسمح لأشعة الشمس بالعبور من خلالها. فالشجرة تنفض أوراقها وتسقطها لتتحلل سريعاً في التربة وتتحوّل إلى غذاء تكون النباتات الصغيرة في حاجة إليه.
وتروي الأسطورة أنّ ثلاث حرازات كانت تعيش متقاربة وكان الحراز يخضرّ خريفاً كباقي الأشجار. وتلك الأشجار الثلاث رآها القرويون كأمّ وأب وابنهما. وفى أحد المواسم، كان المطر غزيراً ترافق مع رعد وبرق وصواعق، فأصيب "الابن" بصاعقة وأُحرقت الشجرة كلياً. غضبت أشجار الحراز الأخرى على مقتل "ابنها"، فقرّرت كلها إعلان الحداد في موسم المطر ولم تعد تخضرّ أو تثمر إلا في غياب قاتل "ابنها" المطر. يُذكر أنّ الشجرة في وعي السودانيين ما زالت مرتبطة بخصومة دائمة مع المطر. ويشبّهون الشخص الفاجر في الخصومة بالحراز الذي يخاصم المطر، لأنّ في ذلك نوعاً من عدم الحكمة والمنطق.
ينفي خبير الغابات محمد أحمد النور الأسطورة، مؤكّداً أنّ التفسير العلمي للظاهرة هو أنّ الأمطار لا تستطيع التسرّب إلى جذور هذه الشجرة التي تمتدّ عميقاً بسبب كثافة الأراضي الطينية، فيتطلّب الأمر بالتالي وقتاً طويلاً حتى تصل المياه إلى أعماق الشجرة. ويستغرق الأمر موسم الخريف بأكمله قبل أن تبدأ الشجرة بالاخضرار.
وثمّة اعتقاد راسخ بأنّ موطن الحراز الأصلي هو السودان وغرب أفريقيا، وهي الشجرة الوحيدة التي تقوم في عزّ فصل الجفاف بمنح الظلّ للهاربين من لسعة الشمس، من بشر وسوام. أمّا النحل فيجد الرحيق في أزهارها الصفراء التي تظهر حين تختفي الأزهار الأخرى، فيما تمثّل أوراقها وثمارها ذات الحجم الكبير واللون البرتقالي التي نسمّيها الخُرَيم غذاءً للحيوانات حين تكون في أشدّ الحاجة إليه.
*متخصص في شؤون البيئة