03 نوفمبر 2024
حكم قضائي في تونس.. وانقسام
يبدو أن الشعب التونسي، وبالخصوص نخبته، أصبحا غير ملقحّين ضد الانقسام بكل أشكاله ومعانيه. والانقسام مختلفٌ عن التعدّدية، لأن التعدّد ظاهرة صحية وطبيعية، في حين أن الانقسام حالةٌ مرضيةٌ يمكن أن تفتح المجال أمام الصراع غير المنظم والمؤطر، كما يمكن أن يؤدي إلى الفوضى والفتنة. وهذا ما جرى بعد صدور الحكم في قضية المرحوم لطفي نقض الذي مات قبل أربع سنوات في حالة تدافع بينه وبين مجموعةٍ من أنصار ما تسمى روابط حماية الثورة، كانوا يقودون مسيرةً ضد حزب نداء تونس، وطالبوا بتطهير مدينة تطاوين من الموالين له.
كان الحكم غير متوقع، حيث تمت تبرئة المتهمين بقتل نقض. وما أن صدر حكم البراءة حتى حصل الانقسام بين مرحبٍ بالحكم، وفي مقدمتهم أنصار حركة النهضة وروابط حماية الثورة المنحلة وحزب الحراك بقيادة الرئيس السابق منصف المرزوقي وآخرون، في حين اعتبرت أسرة الفقيد وأحزاب عديدة، مثل نداء تونس ومعظم مكونات الطبقة السياسية والمجتمع المدني، الحكم مسيساً، ولم يكن عادلاً وجاء ليزكّي القتلة.
لم يسبق في تاريخ تونس أن أحدث حكم قضائي رجّة شعبية، مثلما حصل هذه المرة. وعلى الرغم من أن الحكم في مرحلته الابتدائية، في انتظار الاستئناف والتعقيب، إلا أن ما حصل، قبل أيام، أبرز أمرين أساسيين، سيكون لهما تداعيات قادمـة:
أولهما، وضع القضاء والقضاة في قفص الاتهام، حيث لم يتردّد سياسيون وإعلاميون ونشطاء في المجتمع المدني عديدون من اتهام القضاء بعدم الاستقلالية، والخضوع للابتزاز السياسي من حركة النهضة وحلفائها السابقين. تعرّض القضاة لموجة من التشكيك في ذممهم ونواياهم، ما دفع الأسرة القضائية إلى رد فعل قوي، حيث فتحت النيابة العمومية تحقيقاً قضائياً في خصوص تصريحات صحافي اعتبر أن القضاء "ينخره الفساد"، وأن جزءاً كبيراً منه "مسيس وموال وفاسد". كما سيقع الشروع في ملاحقة نوابٍ أدلوا بتصريحاتٍ اعتبرت ضد القضاء و"مشكّكة في نزاهته". وقد دعت الهياكل القضائية السلطة التنفيذية إلى تحمّل المسؤولية، وتوفير ضمانات الحماية للقضاة.
شعر القضاة أنهم مستهدفون بالجملة، وأنهم أصبحوا عرضة للهجوم عليهم، كلما حصل خلاف بين الأحزاب حول ملفات معروضةٍ على القضاء ذات خلفية سياسية، ما دفع رئيسة جمعية القضاة التونسيين إلى القول إن "ردود الأفعال في قضية لطفي نقض، وتوجيه أبشع التهم وأخطرها للقضاة، يمثل انحرافاً خطيراً وتدخلاً سافراً في استقلالية القضاء، وزيادة في الضغوط عليه".
يعتبر إصلاح المؤسسة القضائية من بين الملفات الأكثر تعقيداً. وعلى الرغم من أن القضاء لم يتعاف من الأزمة العميقة التي عاشها، ولا يزال، طوال الستين سنة الماضية، إلا أن من شأن إطلاق الأحكام بالجملة على القضاة أن يعطل عملية الإصلاح، وإذا ما أصبح الشك في مصداقية القضاء شائعاً وآلياً، فذلك من شأنه أن يفقد الثقة في إمكانية قيام دولة القانون والمؤسسات.
على صعيد آخر، كشف الحكم القضائي أيضاً عن هشاشة التحالف بين حزبي النهضة ونداء تونس. إذ ما أن نطق رئيس المحكمة بالحكم، حتى طالب ندائيون عديدون بإنهاء العلاقة مع حركة النهضة، والعمل على إخراجها من الحكومة. وصدرت تصريحاتٌ عديدة في هذا الاتجاه من عناصر قيادية، وقرر شباب في الحزب الاستقالة الجماعية، احتجاجاً على استمرار هذا التحالف. وكاد ذلك أن يتطوّر بسرعة، وأن يؤدي إلى أزمةٍ سياسية، من شأنها أن تعصف بحكومة يوسف الشاهد الطرية والوليدة. ولولا تعقل قادة الحزبين، لدخلت البلاد في نفق جديد يصعب التكهن بتداعياته.
ما حصل في قضية نقض ليس سوى بروفة لما قد يحصل غداً، عندما سيبت القضاء في ملفي شكري بلعيد ومحمد البراهمي، لأن عدم القبول بأحكام القضاء يشرع للحسم خارج دائرة القانون، إلى جانب ما يخلفه ذلك في الأنفس من أحقادٍ مستمرة، تحول دون تحقيق المصالحات الفعلية والتاريخية.
كان الحكم غير متوقع، حيث تمت تبرئة المتهمين بقتل نقض. وما أن صدر حكم البراءة حتى حصل الانقسام بين مرحبٍ بالحكم، وفي مقدمتهم أنصار حركة النهضة وروابط حماية الثورة المنحلة وحزب الحراك بقيادة الرئيس السابق منصف المرزوقي وآخرون، في حين اعتبرت أسرة الفقيد وأحزاب عديدة، مثل نداء تونس ومعظم مكونات الطبقة السياسية والمجتمع المدني، الحكم مسيساً، ولم يكن عادلاً وجاء ليزكّي القتلة.
لم يسبق في تاريخ تونس أن أحدث حكم قضائي رجّة شعبية، مثلما حصل هذه المرة. وعلى الرغم من أن الحكم في مرحلته الابتدائية، في انتظار الاستئناف والتعقيب، إلا أن ما حصل، قبل أيام، أبرز أمرين أساسيين، سيكون لهما تداعيات قادمـة:
أولهما، وضع القضاء والقضاة في قفص الاتهام، حيث لم يتردّد سياسيون وإعلاميون ونشطاء في المجتمع المدني عديدون من اتهام القضاء بعدم الاستقلالية، والخضوع للابتزاز السياسي من حركة النهضة وحلفائها السابقين. تعرّض القضاة لموجة من التشكيك في ذممهم ونواياهم، ما دفع الأسرة القضائية إلى رد فعل قوي، حيث فتحت النيابة العمومية تحقيقاً قضائياً في خصوص تصريحات صحافي اعتبر أن القضاء "ينخره الفساد"، وأن جزءاً كبيراً منه "مسيس وموال وفاسد". كما سيقع الشروع في ملاحقة نوابٍ أدلوا بتصريحاتٍ اعتبرت ضد القضاء و"مشكّكة في نزاهته". وقد دعت الهياكل القضائية السلطة التنفيذية إلى تحمّل المسؤولية، وتوفير ضمانات الحماية للقضاة.
شعر القضاة أنهم مستهدفون بالجملة، وأنهم أصبحوا عرضة للهجوم عليهم، كلما حصل خلاف بين الأحزاب حول ملفات معروضةٍ على القضاء ذات خلفية سياسية، ما دفع رئيسة جمعية القضاة التونسيين إلى القول إن "ردود الأفعال في قضية لطفي نقض، وتوجيه أبشع التهم وأخطرها للقضاة، يمثل انحرافاً خطيراً وتدخلاً سافراً في استقلالية القضاء، وزيادة في الضغوط عليه".
يعتبر إصلاح المؤسسة القضائية من بين الملفات الأكثر تعقيداً. وعلى الرغم من أن القضاء لم يتعاف من الأزمة العميقة التي عاشها، ولا يزال، طوال الستين سنة الماضية، إلا أن من شأن إطلاق الأحكام بالجملة على القضاة أن يعطل عملية الإصلاح، وإذا ما أصبح الشك في مصداقية القضاء شائعاً وآلياً، فذلك من شأنه أن يفقد الثقة في إمكانية قيام دولة القانون والمؤسسات.
على صعيد آخر، كشف الحكم القضائي أيضاً عن هشاشة التحالف بين حزبي النهضة ونداء تونس. إذ ما أن نطق رئيس المحكمة بالحكم، حتى طالب ندائيون عديدون بإنهاء العلاقة مع حركة النهضة، والعمل على إخراجها من الحكومة. وصدرت تصريحاتٌ عديدة في هذا الاتجاه من عناصر قيادية، وقرر شباب في الحزب الاستقالة الجماعية، احتجاجاً على استمرار هذا التحالف. وكاد ذلك أن يتطوّر بسرعة، وأن يؤدي إلى أزمةٍ سياسية، من شأنها أن تعصف بحكومة يوسف الشاهد الطرية والوليدة. ولولا تعقل قادة الحزبين، لدخلت البلاد في نفق جديد يصعب التكهن بتداعياته.
ما حصل في قضية نقض ليس سوى بروفة لما قد يحصل غداً، عندما سيبت القضاء في ملفي شكري بلعيد ومحمد البراهمي، لأن عدم القبول بأحكام القضاء يشرع للحسم خارج دائرة القانون، إلى جانب ما يخلفه ذلك في الأنفس من أحقادٍ مستمرة، تحول دون تحقيق المصالحات الفعلية والتاريخية.