حكواتيون ومخبرون

01 سبتمبر 2018
سنابشات يصنع القصص (ليونيل بونافينتو/ فرانس برس)
+ الخط -
الخصوصية، والخصوصية "أونلاين"، وحماية أنفسنا على مواقع التواصل الاجتماعي. نقاشات ودورات تدريبية لنحفظ شيئاً لأنفسنا وعن أنفسنا. ثمّ يصرخ البعض في وجه منتهكي الخصوصية، ويتخذون تدابير من قبيل الحدّ من نشر الصور الخاصة على مواقع التواصل. هل نريد هذه الخصوصيّة حقاً؟ قلّة هم الذين حفظوا خصوصيتهم من هذا العالم الافتراضي، حين قرّروا ألا يكونوا أسماء إضافية على المواقع المختلفة.

أسماؤهم على الورق أو في ملفات لا تخوّلهم سرد قصصهم وتفاصيلهم اليومية. هم في حاجة إلى "ستوريز". وأي تفصيل في حياتهم يمكن أن يكون قصة. مشهد شروق أو غروب الشمس مع "صباح الخير" أو "مساء الخير"، وإضافة كلمات أخرى عن الإيجابية والسعادة وتمنيات بنهار جميل وممتع. نُخبر أنّنا نستمتع بالبحر. ومن دون أن نعي ذلك، نجعل من صورتنا مع النظارات الشمسية والقبعة المصنوعة من القش قصة على مواقع التواصل. فعل تلقائي إلى درجة بتنا نشعر بأنّ وجودنا في مكان ما ليس خصوصية، بل هو أمر مستباح، أو أنّ تكرار نشر صور أطفالنا سيجعل الأصحاب، وأصحاب الأصحاب، وربّما الغرباء، يعرفون كيف ينمو الطفل وكيف تتغيّر ملامحه. وهذا جميل. لن يفاجأوا، إلا ربما حين لا تتشابه الصورة مع الحقيقة.

هل نُفشي سراً؟ وهل نُخبر عن تفاصيل يفترض أنها ملكنا؟ قبل الخوض في هذا النقاش، يجب إعادة تعريف الخصوصيّة. أهي صورنا على مواقع افتراضية؟ صور أطفالنا؟ أفكارنا؟ الأغنيات التي نحب الاستماع إليها أو الأماكن التي نرغب في زيارتها؟ أهي الحكايات التي نصنعها عن مشهد نعيشه أم نريده؟



كلّ هذه التفاصيل كانت تشكّل خصوصية في ما مضى. حتى أفكارنا. لماذا علينا أن نُسمعها للعالم. قد نرغب في الأمر أو لا نرغب. واليوم، وبعدما صرنا عاجزين عن التحكّم في تفاصيل كثيرة تخصّنا، بتنا نستبيح قصصنا. نسينا أنها ملكنا. هي تعني أشخاصاً ينتظرون منّا أن نكون فعالين (active) على مواقع التواصل. ومجرّد النشاط على هذه المواقع تحوّل إلى مهنة. وهذه الفرصة تفرض علينا إعادة تكييف خصوصيّتنا مع متطلبات العصر.

الصور ليست بالضرورة خصوصية، أو أننا في حاجة إلى أن نختبئ. صورتنا تتحرّك يومياً في الشارع. ويومياً، يتناوب على رؤيتنا كثيرون. كما أن الأفكار المعلنة أمام الملأ تعزّز من ثقتنا بأنفسنا، وتُخرجنا من بؤرة محلية إلى أخرى كونية.

خصوصيّتنا لم تعد ملكنا. والبحث فيها مضيعة للوقت. إما أن ننعزل تماماً عن الإنترنت والعالم الافتراضي وإما نتآلف مع خصوصية مستباحة. وهذه فرصتنا للتصالح مع أنفسنا. تحوّلنا إلى "حكواتيين" عن أنفسنا... بل مخبرين أحياناً.