أواخر العام 1950 اعتُقِل الطبيب المصريّ محجوب عمر، رفيق الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم، لمدّة 7 سنوات بتهمة انتسابه إلى الحزب الشيوعي. بعد الإفراج عنه، أبعِد عن مصر فانضمّ إلى الثورة الجزائرية، ثم إلى المقاومة الفلسطينية - حركة فتح في الأردن. عقب أحداث أيلول الأسود في العام 1970 رحل مع المقاومة إلى العاصمة اللبنانية بيروت، وعاش أصعب أيام الحرب الأهلية واجتياح بيروت 1982، موثقاً تفاصيل الحصار في كتاب "الناس والحصار".
غادر بيروت إلى مصر، وأدار من هناك مكتب منظمة التحرير، وبعد اتفاقية أوسلو قسّم وقته ما بين غزة والقاهرة، مستشاراً لياسر عرفات.
بدأت حكايتي مع "الحكيم" نهاية العام 1998 حيث اجتمعت بزوجته مصادفة في مخيّم جباليا. كانت ترافق صديقتها إلى ورشة عمل مع أمينات المكتبات في المركز النسائي هناك، (أغلق منذ أكثر من 6 سنوات للأسف).
عرفتني إليها صديقتها قائلة: "منى محجوب"، فسألتها من دون تفكير: "شو بيقربلك محجوب عمر؟". نظرت إلي دهشة وقالت: "من وين لسيدة من حيفا لتعرف محجوب عمر؟"، فكان ردّي :"أعرفه من خلال قصص الأطفال التي كتبها ونشرتها دار الفتى العربي الفلسطينية". صداقة رائعة جمعتني بمنى ومحجوب عمر. التقينا في غزّة عدة مرات، وعندما مُنعنا من الدخول إلى القطاع، التقيتهما في مصر في منزلهما الجميل بحي السيدة زينب. حلمنا معاً أن نلتقي يوماً ما في حيفا، لكن مرض الحكيم ونشوب الانتفاضة الثانية حالا دونه.
كان اللقاء الأول مميزاً ومثيراً، في شقتهم المتواضعة البسيطة في غزّة. بدأت اللقاء بالكثير من الأسئلة، وكان الحكيم صبوراً ومستمعاً رائعاً. أجاب عن أسئلتي كلّها، وأوضح لي كثيراً من الأمور عن دار النشر الفلسطينية الأولى للأطفال "دار الفتى العربي" في بيروت العام 1974، التي كانت في البداية مشروعاً عربياً تشارك في أنجاحه أفضل الكتاب والرسامين العرب.
كان محجوب عمر، إضافة إلى كونه طبيباً ميدانياً، من القادة المميزين، حيث درّب الشباب وأرشدهم تنظيمياً وفكرياً، كما شارك في كتابة نصّ وثيقة "الفلسفة التربوية للشعب العربي الفلسطيني"، من خلال مركز التخطيط الفلسطيني في بيروت في العام 1973. عقب نشر هذه الوثيقة، وبفضل توصياتها حول الاعتناء بتنشئة جيل عربي واعٍ، تكون القضية الفلسطينية في صلب اهتمامه، أنشئت "دار الفتى العربي" العام 1974 في بيروت. هناك إجماع، لدى جميع من رافق محجوب عمر وشاركه مسيرته النضالية، على أنه إنسان لا يتكرر من جميع النواحي، إنسانياً فكرياً ونضالياً، صديقاً تجده يقدم العون وقت الحاجة.
من المؤسف أنني لم أتعرف إلى محجوب عمر إلا في السنوات الأخيرة من حياته، وهو يعاني أمراضاً أقعدته، لكنها لم تثنه عن متابعة مسيرته الفكرية، فبقي يكتب ويحلل ويتابع كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. اعتبر نفسي محظوظة بالساعات القليلة التي قضيتها صحبته، إذ كان دائماً الصديق الحكيم والحنون الطيب. ورغم مرضه في السنوات الأخيرة، بقي مصدر فرحٍ وتفاؤل وأمل لا ينضب بمستقبل جميل آت لا محالة.
غادر بيروت إلى مصر، وأدار من هناك مكتب منظمة التحرير، وبعد اتفاقية أوسلو قسّم وقته ما بين غزة والقاهرة، مستشاراً لياسر عرفات.
بدأت حكايتي مع "الحكيم" نهاية العام 1998 حيث اجتمعت بزوجته مصادفة في مخيّم جباليا. كانت ترافق صديقتها إلى ورشة عمل مع أمينات المكتبات في المركز النسائي هناك، (أغلق منذ أكثر من 6 سنوات للأسف).
عرفتني إليها صديقتها قائلة: "منى محجوب"، فسألتها من دون تفكير: "شو بيقربلك محجوب عمر؟". نظرت إلي دهشة وقالت: "من وين لسيدة من حيفا لتعرف محجوب عمر؟"، فكان ردّي :"أعرفه من خلال قصص الأطفال التي كتبها ونشرتها دار الفتى العربي الفلسطينية". صداقة رائعة جمعتني بمنى ومحجوب عمر. التقينا في غزّة عدة مرات، وعندما مُنعنا من الدخول إلى القطاع، التقيتهما في مصر في منزلهما الجميل بحي السيدة زينب. حلمنا معاً أن نلتقي يوماً ما في حيفا، لكن مرض الحكيم ونشوب الانتفاضة الثانية حالا دونه.
كان اللقاء الأول مميزاً ومثيراً، في شقتهم المتواضعة البسيطة في غزّة. بدأت اللقاء بالكثير من الأسئلة، وكان الحكيم صبوراً ومستمعاً رائعاً. أجاب عن أسئلتي كلّها، وأوضح لي كثيراً من الأمور عن دار النشر الفلسطينية الأولى للأطفال "دار الفتى العربي" في بيروت العام 1974، التي كانت في البداية مشروعاً عربياً تشارك في أنجاحه أفضل الكتاب والرسامين العرب.
كان محجوب عمر، إضافة إلى كونه طبيباً ميدانياً، من القادة المميزين، حيث درّب الشباب وأرشدهم تنظيمياً وفكرياً، كما شارك في كتابة نصّ وثيقة "الفلسفة التربوية للشعب العربي الفلسطيني"، من خلال مركز التخطيط الفلسطيني في بيروت في العام 1973. عقب نشر هذه الوثيقة، وبفضل توصياتها حول الاعتناء بتنشئة جيل عربي واعٍ، تكون القضية الفلسطينية في صلب اهتمامه، أنشئت "دار الفتى العربي" العام 1974 في بيروت. هناك إجماع، لدى جميع من رافق محجوب عمر وشاركه مسيرته النضالية، على أنه إنسان لا يتكرر من جميع النواحي، إنسانياً فكرياً ونضالياً، صديقاً تجده يقدم العون وقت الحاجة.
من المؤسف أنني لم أتعرف إلى محجوب عمر إلا في السنوات الأخيرة من حياته، وهو يعاني أمراضاً أقعدته، لكنها لم تثنه عن متابعة مسيرته الفكرية، فبقي يكتب ويحلل ويتابع كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. اعتبر نفسي محظوظة بالساعات القليلة التي قضيتها صحبته، إذ كان دائماً الصديق الحكيم والحنون الطيب. ورغم مرضه في السنوات الأخيرة، بقي مصدر فرحٍ وتفاؤل وأمل لا ينضب بمستقبل جميل آت لا محالة.