حكواتي: صورة شخصية

28 سبتمبر 2014
ظلّ الطفولة الغامض (Getty)
+ الخط -

أغلب أصدقائي، ينشرون صورهم أطفالاً على مواقع التواصل الاجتماعي، حتّى في الواقع يستمتع أصدقائي بعرض مثل هذه الصور، ودائماً كنت أرى الأمر لطيفاً، لذا فكرت، اليوم، أن أفعل مثلهم، ولأنّني لا أملك أية صورة لي، اتصلت بأمي لكي ترسل لي إحدى الصور، ودار بيننا الحديث التالي:

ـ ألو.. مرحبا أمي.
ـ أهلاً ، كيف حالك؟ منيح؟ وينك؟ ماذا تفعل؟ لم لا تكلمنا؟
- أنا مو منيح .. عندك صورة لي أنا وطفل؟
- أنت وطفل؟ .. (ثم بدأت البكاء)
ـ لمَ تبكين!!؟
ـ اشتقت لك، أنت وطفل
ـ حسناً، اذهبي إذاً وتأملي صوري وأرسلي لي إحداها أرجوكِ
ـ صورة لك؟.. ضروري؟؟ .. حسناً.. سأرسلها لك قريباً.

أتخيل المشهد بعد انتهاء المكالمة كالتالي:

أمي تضع الهاتف من يدها ثم تتجه إلى أبي: "يريد صورة له هو وطفل، يا الله يا الله". فيرد أبي: "ماذا خطر في باله الآن، هذا الولد لا يأتينا منه إلا المصائب"، ثم محدّثاً أخي: "أخفض صوت التلفزيون قليلاً أنت الآخر". أختي الصغيرة تقترب من أمي، وتقول لها: "أرسلوا له صورته، معقول ما عندكم؟ ألم تقوموا بتصويره عندما كان طفلاً؟ يا حرام، لماذا؟ لا يعرف شكله صغيراً؟ ماما أنت تذكرين كيف كان طفلاً؟، ألم...". هنا يقاطعها أخي وهو يشدّها من يدها: "أما كان ينقصنا إلا أنت، أخرسي قليلاً".

أثناء هذا كلّه كنت أنا أنتظر الصورة، وأحاول أن أتخيّل، كيف سيكون شكلي في الصورة، كيف كنت طفلاً، كيف لم يخطر ببالي خلال كلّ هذه السنوات أن أرى ذلك". تخيّلت شكلي مرةً بخدود كبيرة كخدود الكلب الذي يظهر في "توم جيري "، ومرةً بشعرٍ طويل، ومرةً بعينين زرقاوين كأطفال الإعلانات. ألف شكل وشكل رسمت لطفولتي منتظراً أن أرى أحدها، إلى أن وصلتني رسالة أيقظتني من أحلامي أخيراً، كانت تحتوي صورة طفل، طفل لم أحتَج أكثر من نظرة واحدة لأدرك أنّه أخي حين كان صغيراً.

بعدها مباشرة وصلتني رسالة مرفقة بصورة أخرى، هذه المرّة كانت لوالدي مرتدياً مريولاً مدرسيّاً، وبينما أتأمّل الصورة التي يبدو أنّ أبي نسي أن يحلق شاربه فيها، وصلتني رسالة ثالثة، هذه المرة كانت الصورة فيها بيضاء تماماً وقد كتب تحتها: "الصورة ليست واضحة تماما يا ابني... أعذرني".

وبينما كانت ابتسامتي تغصّ بدمعة، أنقذتني رسالة أخيرة، فيها صورة لخربشة يبدو أنّها محاولة لرسم طفل وكُتِبَ فيها: "كنت بدّي أرسملك شعر بسّ ما عندي تلوين أسود".
المساهمون