لا تضيع السلطة في الجزائر فرصة لإهدار كل منجز سياسي، ولا تهدر فرصة للانقلاب على نفسها وخطابها والتزاماتها بشأن المسار الديمقراطي. وبين كل فترة وفترة وزمن وزمن تغير المؤسسة الرسمية في الجزائر خطابها من نقيض إلى نقيض ينسف ما سبق، على غرار تلك العجوز التي تنسج كثيراً وتفك غزلها كثيراً أيضاً.
أسوق هذا المثل العابر تعليقاً على تصريحات وزير الداخلية الجزائري، نور الدين بدوي، الذي هدد الأحزاب السياسية التي تقاطع الاستحقاقات الانتخابية بسحب الاعتماد وترخيصها القانوني، وفقاً لتعديل من المقرر إدراجه في قانون الأحزاب السياسية لاحقاً. تصريح بدوي ينسف كل ما بنته المؤسسة الرسمية في الجزائر من مزاعم بالانتقال السياسي في البلاد من مرحلة حكم جهاز الاستخبارات إلى مرحلة الدولة المدنية والقطع مع كل الممارسات التسلطية والتعسف السياسي الذي كان سائداً في مرحلة تدخل وإمساك جهاز الاستخبارات بالمشهد السياسي في البلاد، في فترة ما قبل الإطاحة بقائد الجهاز في 13 سبتمبر/أيلول 2015.
يعطي تصريح كهذا الانطباع باستمرار نفس المقاربة السياسية والشمولية للسلطة في الجزائر، ونظرتها إلى الأحزاب السياسية كديكور يزين المشهد الديمقراطي من دون إشراكها بعمق وواقعية في صياغة الخيارات الكبرى للبلاد على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي. التصريح يتصادم إلى أبعد حد ممكن مع كل معالم وقيم الممارسة الديمقراطية، لكون المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها هو موقف سياسي وشكل نضالي تتيحه كل الأعراف الديمقراطية، طالما أنه يتم في ظل احترام قيم السلم والاختيار الحر. وليس من حق وزارة الداخلية والحكومات أن تقرر ما إذا كانت مقاطعة الانتخابات شكلاً من أشكال تخريب مسار سياسي. ففي التجربة الديمقراطية، لكل حزب سياسي حرية تقدير الموقف إزاء وضع وظروف وملابسات سياسية، وحرية اتخاذ القرار المناسب بالمشاركة في انتخابات أو مقاطعتها، تماماً مثلما يحق لكل كتلة في البرلمان أن تصوت لصالح قانون أو ضده أو أن تمتنع أو تقاطع جلسة تقدر أنها تجاوزت قواعد اللعبة.
توجد مسألة أخرى في تصريح وزير الداخلية الجزائري، إذ يطالب "الأحزاب السياسية بالمشاركة القوية في الانتخابات لبعث رسالة للعالم باستقرار الجزائر"، على الرغم من أن تنظيم الاستحقاقات الانتخابية ليس مؤشراً جدياً على صحة المناخ السياسي في الجزائر أو في أي بلد. قد يقصد وزير الداخلية استمرار الدولة في شكلها التقليدي، لكن مسارات انتخابية عديدة في الجزائر، أثبتت أنها أعقم من أن تنتج الاستقرار، وأنها ليست سوى محطة لنقل البلد من مرحلة انتقالية. الاستقرار الحقيقي هو تكافؤ ميزان الثروات الفائضة في الجزائر مع واقع اجتماعي مرير وعطب اقتصادي وإفلاس سياسي... وذاك هو واقع الجزائر.
يعطي تصريح كهذا الانطباع باستمرار نفس المقاربة السياسية والشمولية للسلطة في الجزائر، ونظرتها إلى الأحزاب السياسية كديكور يزين المشهد الديمقراطي من دون إشراكها بعمق وواقعية في صياغة الخيارات الكبرى للبلاد على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي. التصريح يتصادم إلى أبعد حد ممكن مع كل معالم وقيم الممارسة الديمقراطية، لكون المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها هو موقف سياسي وشكل نضالي تتيحه كل الأعراف الديمقراطية، طالما أنه يتم في ظل احترام قيم السلم والاختيار الحر. وليس من حق وزارة الداخلية والحكومات أن تقرر ما إذا كانت مقاطعة الانتخابات شكلاً من أشكال تخريب مسار سياسي. ففي التجربة الديمقراطية، لكل حزب سياسي حرية تقدير الموقف إزاء وضع وظروف وملابسات سياسية، وحرية اتخاذ القرار المناسب بالمشاركة في انتخابات أو مقاطعتها، تماماً مثلما يحق لكل كتلة في البرلمان أن تصوت لصالح قانون أو ضده أو أن تمتنع أو تقاطع جلسة تقدر أنها تجاوزت قواعد اللعبة.
توجد مسألة أخرى في تصريح وزير الداخلية الجزائري، إذ يطالب "الأحزاب السياسية بالمشاركة القوية في الانتخابات لبعث رسالة للعالم باستقرار الجزائر"، على الرغم من أن تنظيم الاستحقاقات الانتخابية ليس مؤشراً جدياً على صحة المناخ السياسي في الجزائر أو في أي بلد. قد يقصد وزير الداخلية استمرار الدولة في شكلها التقليدي، لكن مسارات انتخابية عديدة في الجزائر، أثبتت أنها أعقم من أن تنتج الاستقرار، وأنها ليست سوى محطة لنقل البلد من مرحلة انتقالية. الاستقرار الحقيقي هو تكافؤ ميزان الثروات الفائضة في الجزائر مع واقع اجتماعي مرير وعطب اقتصادي وإفلاس سياسي... وذاك هو واقع الجزائر.