يتجه رئيس الحكومة التونسية المكلف إلياس الفخفاخ، اليوم الأربعاء، إلى البرلمان التونسي لطلب نيل الثقة لحكومته الجديدة. وإذا تم ذلك، فسيتسلم الفخفاخ رسمياً مهامه بداية من يوم الجمعة المقبل، إذ أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد أن تسليم مهام رئاسة الحكومة يتم بعد منح الثقة للحكومة وأداء اليمين الدستورية وتقديم تصريح بذمة مالية بالنسبة لأعضاء الحكومة الجديدة يوم الخميس، في حال حصلت على ثقة البرلمان اليوم.
ويفترض أن تنال حكومة الفخفاخ ثقة البرلمان بعد تأكده من جمع عدد الأصوات الضروري لذلك (109 أصوات على الأقل). وكشفت جلسة التوقيع على النسخة النهائية لوثيقة التعاقد الحكومي بين الفخفاخ ورؤساء الأحزاب والكتل، عن الحزام السياسي لهذه الحكومة، إذ شارك في عملية التوقيع عن حركة "النهضة" رئيس كتلتها البرلمانية نور الدين البحيري، وعن حزب "التيار الديمقراطي" أمينه العام محمد عبو، وعن حركة "الشعب" أمينها العام زهير المغزاوي، ورئيس حزب "تحيا تونس" يوسف الشاهد، بالإضافة إلى حسونة الناصفي عن كتلة "الإصلاح الوطني". وبذلك يكون الفخفاخ قد تأكد من جمع 54 صوتاً من "النهضة" و41 من "الكتلة الديمقراطية"، التي تضم حركة "الشعب" و"التيار الديمقراطي"، و15 من كتلة "الإصلاح الوطني" و14 من حزب "تحيا تونس"، أي بمجموع 124 صوتاً. ويمكن أن تضاف إليها أصوات مستقلين، وهو ما يعني أنها ستحرز أقل مما حصلت عليه حكومتا الشاهد والحبيب الصيد السابقتان.
وستكون حكومة الفخفاخ في مواجهة معارضة قوية تجمع كلاً من حزب "قلب تونس" (38 عضواً)، وكتلة "ائتلاف الكرامة" (19 عضواً)، وكتلة "الحزب الدستوري الحرّ" (17 عضواً)، وبعض أصوات كتلة "المستقبل" (9 أعضاء). وأكد "قلب تونس" أن موقف الحزب من حكومة الفخفاخ "واضح لا لبس فيه، وأن موقعه الطبيعي سيكون في المعارضة". ونفى الحزب، في بيان، ما راج عن وجود صفقة سياسية مع الفخفاخ، تُمكّنه من الحصول على أصوات عدد من أعضاء الكتلة البرلمانية للحزب مقابل حصوله على مناصب في عدد من المحافظات والمعتمديات ومناصب عليا في عدد من المؤسسات العامة.
وعلاوة على عدد الأصوات المحدود الذي ستحصل عليه حكومة الفخفاخ، فإن عملها سينطلق وسط مناخ متوتر للغاية، جراء ما شهدته البلاد من مفاوضات دامت نحو ثلاثة أشهر، وعسر في تشكيلها، بعد سقوط حكومة الجملي، وسط خلافات جوهرية بين أعضائها وتبادل للاتهامات، ورفض واضح لحركة "النهضة" لخيار الفخفاخ السياسي، حتى بعد إعلان قبولها الدخول في الحكومة على مضض، بسبب الظروف الإقليمية المتوترة، وخوفاً من حالة الفراغ الممكنة واختلاف حول المآلات الدستورية إذا سقطت حكومة الفخفاخ.
وأشار المحلل السياسي حمزة المؤدب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن السؤال المطروح هو ما بعد مرور الحكومة في البرلمان؟ بمعنى مستقبل العلاقة بين مكونات الفريق الحكومي، إذ إن هناك فتوراً في العلاقة بين "النهضة" و"التيار الديمقراطي" وحركة "الشعب" و"تحيا تونس". وأضاف "في ظل غياب الثقة بين الشركاء، سيكون الفتور السمة الطاغية بين المكونات، وستكون هناك معضلة أساسية مطروحة، وهي التنسيق". وأشار إلى أنه لا بد من إطار تنسيقي بين مختلف الشركاء مثلما حصل في فترة "الترويكا" وفي اجتماعات "النهضة" و"نداء تونس" سابقاً، إذ يتعين التنسيق بين الحزام السياسي وبين مختلف المكونات، لأن التحالف السياسي متوتر. وأوضح أن "هناك العديد من المخاوف، إذ إنه في ظل عدم الانسجام سيكون وزراء كل حزب وكأنهم في جزر منفصلة بعضها عن بعض"، مبيناً أنّ "العديد من المسائل لم تحسم، ولم تتضح بعد. فما هو برنامج محمد عبو في الإصلاح الإداري، ومحمد الحامدي في التربية، وأنور معروف في النقل؟ وبالتالي تبدو هذه المسائل ضبابية، وتحتاج إلى وقت لتتضح الصورة".
وبرغم توقيع وثيقة التعاقد الحكومي، التي تتضمن الخطوط العريضة لبرنامجها وأولوياتها، فإن خلافات بدأت بالبروز بين بعض مكوناتها بسبب مرجعياتها الفكرية المتناقضة. وقال الأمين العام للتيار الديمقراطي محمد عبو، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الأهم من محتوى الوثيقة، أن يلتزم الشركاء بها، وأن تكون الفترة المقبلة مرحلة اللاتسامح مع الفساد وإرساء أسس الدولة القوية العادلة". وقال رئيس كتلة حركة "النهضة" نور الدين البحيري، في تصريحات صحافية بعد الخروج من جلسة التوقيع مساء الإثنين الماضي، إن الفخفاخ تعهد بتدارك النقص في التنصيص على ضرورة إيجاد آلية للتنسيق مع الأحزاب المشاركة في الحكومة بخصوص كل ما يتخذه من قرارات، خصوصاً على مستوى التعيينات في المواقع الكبرى. وأشار إلى أن وثيقة التعاقد الحكومي تضمنت أولويات الحكومة والخطوط الكبرى لبرنامجها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
ويبدو ملف التعيينات ساخناً جداً، وسبق أن أثار خلافات كبيرة بين الأحزاب في الحكومات السابقة، حيث يتعلق الأمر بالمناصب العليا في الدولة والمحافظين والبعثات الدبلوماسية وغيرها من المواقع الحساسة. وعابت بعض الأحزاب على الفخفاخ سعيه لتعيين مقربين من حزبه، وتخشى من أن يتكرر الأمر في التعيينات المهمة. وتعود إشارة البحيري لتنسيقية الأحزاب بخصوص القرارات الهامة إلى أن الأحزاب تريد أن تكون شريكة في كل الخيارات، ما يعني أنها لا تمنحه صكاً على بياض، ولن تكون مجرد أدوات تنفيذ، وهو ما خلق أيضاً مشاكل كبرى في الحكومات السابقة.
وبرز الخلاف الأكبر بين حركة "الشعب" و"تحيا تونس" مباشرة بعد التوقيع على الوثيقة، حيث أكّد الأمين العام لحركة "الشعب" زهير المغزاوي أن هذه الوثيقة تضمنت عدم التفويت (الخصخصة) في المؤسسات العامة. واعتبر المغزاوي أن الأهم من التوقيع هو مباشرة الحكومة الجديدة تنفيذ ما تضمنته الوثيقة، وهو المقياس الذي ستحدد به "الشعب" علاقتها بالحكومة في المرحلة المقبلة، من خلال وزرائها أو الفخفاخ. وفي المقابل، اعتبر رئيس حزب "تحيا تونس" يوسف الشاهد أنه تنتظر الحكومة المقبلة العديد من الإصلاحات العاجلة، أهمها ما يتعلق بملف المؤسسات العامة ''التي أصبحت عبئاً على الدولة''. وأعلن، في تصريح صحافي، أنه "يجب إلغاء الخطوط الحمراء في ما يتعلق بالتفويت في هذه المؤسسات"، وهو ما يكشف عمق الخلاف في الخيارات الاقتصادية.