يُعلن في اليمن عن اتفاق تلو الآخر في محاولة الوصول إلى حكومة جديدة بعد انتهاء المهلة المحددة لتشكيل حكومة "الشراكة". وكان آخرها يوم السبت، عندما تم التوصل إلى اتفاق جديد يُفوّض الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ورئيس الوزراء المكلف خالد بحاح، بتشكيل حكومة "كفاءات" بدلاً عن حكومة المحاصصة.
وتسلّم هادي، أمس الأحد، صيغة الاتفاق التي وقّعتها الأحزاب في اجتماع عقده مع مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن جمال بن عمر. وحسب وكالة الأنباء اليمنية الرسمية، فقد أشاد هادي بجهود بن عمر التي بذلها "خلال الأيام الماضية مع كافة المكونات والأحزاب السياسية للخروج بصيغة توافقية تفضي إلى تشكيل حكومة تسهم في إعادة الثقة للمواطن اليمني، وكذلك تحقيق الأمن والاستقرار وتجاوز التحديات والأوضاع الاقتصادية الراهنة التي يمر بها البلد".
ويبدو "التفويض" مخرجاً لهادي الذي عجز عن إقناع القوى بالحصص التي وضعها، وهو بالنسبة للقوى الأخرى معبر للهروب من المسؤولية في ظل واقع خارج عن سيطرة الدولة لا يساعد الحكومة على النجاح.
وجاء الاتفاق الأخير الذي رعاه بن عمر، مكوّناً من فقرتين، الأولى تنص على تفويض هادي وبحاح بتسمية الوزراء من "الكفاءات" وفقاً لمعايير اتفاق السلم والشراكة الموقّع في 21 سبتمبر/أيلول الماضي، وهي "النزاهة، الكفاءة، التحلي بالخبرات اللازمة للحقائب الوزارية، التزام حماية حقوق الإنسان وسيادة القانون والحياد في إدارة شؤون البلاد". وكذلك "بما لا يخالف كل بنود وثيقة السلم والشراكة الوطنية"، وخص بالذكر منها البند الذي يجعل لهادي حق تسمية وزراء الحقائب السيادية (الدفاع، الداخلية، الخارجية، المالية).
عدم الطعن
وتضمّنت الفقرة الثانية من الاتفاق أن تلتزم الأطراف الموقّعة "التزاماً تاماً بعدم الطعن بما سيتوصل إليه رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المكلف، كما تلتزم بتقديم كافة الدعم اللازم، بما فيه الدعم الإعلامي، للحكومة الجديدة التي سيتم الإعلان عنها"، وهو ما رأى محللون أنه محاولة لتجنّب أي رفض قد يُعلن بعد تشكيل الحكومة، وكذلك لتجنّب تحويل الأحزاب إلى المعارضة بأخذ التزام مسبق منها بدعم الحكومة.
ويرى مراقبون أن الاتفاق إقرار بفشل الجهود السابقة وهشاشة "اتفاق السلم والشراكة"، بسبب تعذّر التوافق حول الحصص. وليس من المستبعد أن يسعى هادي لاختيار شخصيات من القوى المنسحبة من المشاركة، وبنفس النسب (تسع وزارات لـ"المؤتمر" ومثلها لأحزاب "اللقاء المشترك" وست للحراك ومثلها لجماعة الحوثيين)، ولكن بطريقة لا تلزم هذه القوى باعتبار أعضاء الحكومة ممثلين لها.
المعارضة واردة
من جهة أخرى، وعلى الرغم من إلزام الاتفاق للقوى الموقّعة بعدم معارضة أي تشكيل حكومي يُعلِن عنه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وفقاً للتفويض، إلا أنه من المتوقع أن تُعلن بعض الأطراف معارضتها لأي شخصيات تعتبر أن المعايير المدرجة أعلاه لا تنطبق عليها. وبذلك لا يزال باب المعارضة والرفض مفتوحاً، وهذا ما أعرب عنه رئيس دائرة العلاقات السياسية في جماعة "أنصار الله" حسين العزي، الذي أكد في تصريح على صفحته في "فيسبوك" "الالتزام الثوري الصادق والجاد بعدم تمرير أي تشكيلة وزارية لا تنطبق عليها المعايير المنصوص عليها بموجب اتفاق السلم والشراكة".
ويعزز من احتمال حصول رفض يخرق "التفويض"، وجود سابقة، وهي تفويض القوى لهادي باختيار رئيس الوزراء، وعند تسميته لمدير مكتبه أحمد عوض بن مبارك، رئيساً للوزراء، أعلنت جماعة "أنصار الله" معارضتها ودعت إلى التظاهر قرب الرئاسة، وكذلك أعلن حزب "المؤتمر الشعبي" معارضته الشديدة، ما دفع بن مبارك إلى الاعتذار عن قبول التكليف.
وعلمت "العربي الجديد" من قيادي في "المؤتمر الشعبي"، فضّل عدم ذكر اسمه، أن ممثّله وقع على الاتفاق حرصاً على المضي في تشكيل الحكومة، على الرغم من عدم رضى الحزب على مقترح الكفاءات، وتأييده للحصص المعلنة سابقاً من قِبل رئيس الوزراء، والتي مُنح المؤتمر وحلفاؤه فيها تسع حقائب، ومثلها لتحالف "اللقاء المشترك" الذي عارض الحصص.
ووفقاً لمعطيات الواقع اليمني شديد التعقيد في هذه المرحلة، فإن القوى ذهبت إلى "التفويض" للتهرّب من المسؤولية وتحميلها إلى هادي، في ظل مؤشرات تفيد أن طريق الحكومة ليس معبداً. فالبلد تحت سيطرة المليشيات وجماعة الحوثيين التي تسيطر على العاصمة أعلنت قبل أيام عزمها تشكيل "لجان ثورية" في كافة المحافظات تمارس الرقابة على الأجهزة الحكومية. وهو ما يجعل أي حكومة تحت رحمة الحوثيين، فضلاً عن الأزمة المالية وتصاعد الاحتجاجات المطالبة بالانفصال في الجنوب.