منح مجلس نواب الشعب التونسي، فجر اليوم الأربعاء، الثقة لحكومة هشام المشيشي، بموافقة 134 نائباً ومعارضة 67 آخرين، بعد نقاشات ماراثونية دامت أكثر من 16 ساعة، تنافس خلالها البرلمانيون من مختلف الكتل في انتقاد تركيبة الحكومة ومسار تشكيلها.
واستمع المشيشي إلى وابل من الانتقادات اللاذعة من مختلف الكتل وممثلي الأحزاب البرلمانية، الذين تفننوا في التشكيك في قدرة فريقه الحكومي على تجاوز الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها البلاد، ولم يفوت أغلب النواب توجيه أصابع الاتهام لرئيس الجمهورية قيس سعيد، محملينه مسؤولية خياراته وتحكمه في مسار تشكيل الحكومة، وسعيه للسيطرة على مفاصل السلطة التنفيذية، بحسب مداخلات البرلمانيين.
وأكد رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي، في كلمته، أنّ "الدستور هو الخيمة التي يأوي إليها الجميع والمرجع الذي يحتكم إليه، تعبيراً عن التعاقد المجتمعي". وأضاف أنّ "الاحتكام للقانون والتزام الدولة بدستورها ومؤسساتها من مظاهر تحضّر المجتمع"، مشيراً إلى أنّ "الديمقراطية الناشئة تترسخ رغم الصعوبات"، لافتاً النظر إلى أنّ "الاختلافات في البرلمان والتي تعبر عن التنوع والتعدد؛ لن تحول دون المضي قدماً".
منح البرلمان الثقة لحكومة هشام المشيشي، بموافقة 134 نائباً ومعارضة 67 آخرين، بعد نقاشات دامت أكثر من 16 ساعة
وبيّن الغنوشي أنه "من دون شكّ فإنّ ديمقراطيتنا الناشئة تترسّخُ يوماً بعد يوم، بالرغم من الصعوبات والتحديات، ونحن على يقين بأنّ إرادة الشعب سائرة في هذا الاتجاه الحواري والتوافقي، فهذا الاتجاه هو الذي سيجذّر قيم الديمقراطيّة ويجعل منها قيماً أصيلة في واقعنا، ولن تحيد تونس بإذن الله تعالى عن هذا المسار".
وانتقد النائب عن حزب "قلب تونس" عياض اللومي، بشدة الرئيس قيس سعيد ومستشاريه بسبب تدخلهم في تشكيل الحكومة وخرقهم الدستور، ووجه اللومي رسالته للمشيشي قائلاً: "صحيح ليس لكم إلّا هذا الوطن وأنت تشبهنا كثيراً.. نحن كحزب قلب تونس وائتلاف برلماني سنمنحكم الثقة كرئيس حكومة، وليس كوزير أوّل، ونحن حيّينا شجاعتكم ومواقفكم في المشاورات..".
وفي السياق ذاته، انتقد النائب عن "ائتلاف الكرامة" عبد اللطيف العلوي، مسار تشكيل الحكومة، وما اعتبره فشلاً لهشام المشيشي في أول اختبار له، باعتباره وخلال تشكيل الحكومة ترك الباب مفتوحاً لعبث العابثين من الرئاسة والبيروقراطية النقابية الفاسدة، وبعض مراكز النفوذ حسب تعبيره.
وخاطب العلوي رئيس الحكومة المكلّف قائلاً: "لقد ضيّعت على نفسك فرصة لدخول التاريخ من الباب الكبير، لكن ما زال بإمكانك التدارك وأخذ العبرة ممن سبقوك، حتى لا تخرج ذليلاً خائباً كخلفك، فلا تضيع باب الخروج مرفوع الرأس وبضمير مرتاح".
شدد الغنوشي على أن الاختلافات في البرلمان تعبّر عن التنوع والتعدد، ولن تحول دون المضي قدماً
من جانبه، ذكر الوزير السابق والنائب عن حزب "النهضة" سمير ديلو، أن لديه العديد من التحفظات والانتقادات، قائلاً: "لم يجرِ حوار حقيقي قبل تكليفكم، وحتى بعد تكليفك لم يحدث حوار حقيقي.. وأعرف أن هذه ربما لا تكون إرادتك الحقيقية، وأدعوك لإجراء حوار بين مختلف الأحزاب والأطراف الاجتماعية".
وأضاف ديلو أن فصل الوزارات وتجميعها هما خسارة للجهد والوقت والنجاعة، مشيراً إلى أن "هذه الحكومة لا حزام سياسياً لها، وبعد ما حدث خلال الأيام الأخيرة، أرجو أن لا يحدث أي تجاذب بين السلطات يهدد استقرار المؤسسات".
شدد ديلو قائلاً: "لا تسمح لأحد بابتزازك وتهديدك وتخويفك". وأضاف: "أنا من كتلة ليست مقتنعة كثيراً بهذه الحكومة، ولكن سنقف سداً منيعاً أمام أي انحراف بالمسار الديمقراطي"، مذكراً بأنهم في النهضة "لن نمنحكم الثقة إنما سنمنحكم أصواتنا لتمرير الحكومة".
وقال النائب عن "التيار الديمقراطي" محمد عمار، إنّ أعضاء المجلس الذين سيصوتون للحكومة المقترحة، "سيصوتون لها فقط خوفاً على مقاعدهم بالبرلمان لا غير." وأضاف عمار موجهاً كلامه للمشيشي: "الأحزاب التي ستصوت لك ستبتزك وتستفزك بعد ذلك من أجل غنائم ومناصب أخرى".
واعتبر النائب عن كتلة "الإصلاح" جلال الزيّاتي، أنّ اختيار المشيشي تشكيل حكومة كفاءات مستقلة "خيار صائب"، مؤكداً حاجة تونس إلى "هدنة سياسية واجتماعية، وإلى حوار حقيقي دون تمييز أو إقصاء".
وتعد حكومة المشيشي الحكومة الثالثة التي تُعرَض على البرلمان منذ الانتخابات التشريعية، في فترة لم تتجاوز السنة، حيث تخلف هذه التشكيلة، حكومة إلياس الفخفاخ المستقيلة بعد أقل من 6 أشهر من الحصول على الثقة في 27 فبراير/شباط الماضي، وحكومة الحبيب الجملي التي سقطت في البرلمان، في يناير/كانون الثاني الماضي.