18 أكتوبر 2024
حكومة لبنان.. عقدة تمثيل أم عقدة هيمنة؟
كادت مساعي تشكيل الحكومة في لبنان تصل، نهاية الشهر الماضي (أكتوبر/ تشرين الأول 2018) إلى خواتيمها السعيدة، بعدما ظنّ الجميع أن العقد التي كانت تحول دون التشكيل حُلّت بشكل نهائي وكامل، مع قبول القوات اللبنانية الحصّة الوزارية التي عُرضت عليها، خصوصا وأن الظنّ كان، عند أغلب الأطراف، أن ما يؤخّر تشكيل الحكومة وإعلانها مرتبط بموقف "القوات" وصراعها أو تنافسها مع التيار الوطني الحر على المقاعد الوزارية المسيحية، إلا أن المفاجأة كانت بعودة الأمور إلى المربع الأول مع العقدة المستجدّة، والتي لم تكن بالحسبان، وهي عقدة تمثيل النواب السنّة الستة المتحالفين مع حزب الله، والتابعين للنظام السوري، والذين انضووا في إطار ما عُرف باللقاء التشاوري. وقد امتنع حزب الله عن تسليم أسماء وزرائه المقترحين لحكومة الوحدة الوطنية إلى الرئيس المكلف، سعد الحريري، إلا بعد تمثيل حلفائه في اللقاء التشاوري في الحكومة المنتظرة. وهكذا برزت هذه العقدة الجديدة، وظهرت عقدة كأداء في طريق تشكيل الحكومة وإعلانها، بل أكبر وأخطر من باقي العقد، وقد ذهب الحزب إلى حدود الانتظار إلى سنواتٍ من دون حكومة تدير شؤون البلد، إذا لم يُمثّل هؤلاء النواب السنّة الستة فيها.
تبخّرت مع موقف حزب الله كل الأماني التي علّقها رئيس الجمهورية، ورئيس المجلس النيابي، ورئيس الحكومة المكلف، على ولادة الحكومة وانطلاق مسيرة النهوض في ظل الواقع الاقتصادي الهشّ والمتفاقم والمتردّي، وكاد الجميع يُصاب بالإحباط واليأس من كل ما جرى ويجري، وقد جاءت كلمة الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، يوم السبت الماضي، لتؤكّد موقف الحزب المتمسك بتوزير حلفائه من النواب السنة، بل وقد ذهب نصر الله إلى أبعد من ذلك، عندما قطع لهم وعداً وعهداً أن لا يسلّم أسماء وزراء الحزب إلى الرئيس المكلف، إذا لم يتمثّلوا في الحكومة، أو أن يقبلوا بأية صيغةٍ تطرح عليهم، مبدياً الاستعداد للانتظار سنة وسنوات، من دون حكومة، إذا لم يُصَرْ إلى تلبية هذا المطلب. لقد برز جانب التحدّي في
مواقف نصر الله أكثر مما برز أي جانبٍ آخر معهود فيه، وهو ما استدعى موقفاً مقابلاً من الرئيس المكلف، سعد الحريري، أكّد فيه، في مؤتمر صحافي، تمسّكه هو أيضاً بموقفه الرافض تسمية أحد هؤلاء النواب في حكومته، باعتبارهم لا يشكلون كتلة نيابية واحدة، بل هم نوابٌ أفرادٌ ينضوي بعضهم في كتل نيابية أخرى، فيما الآخرون مستقلون عن أي كتلة، وهي الطريقة التي ذهبوا بها إلى الاستشارات النيابية المُلزِمة التي أجراها رئيس الجمهورية، وكذلك الاستشارات غير الملزمة التي أجراها رئيس الحكومة المكلف، سعد الحريري، الذي تشدّد في موقفه، رافضاً تمثيلهم في وزارته من حصته، كما رفض تجاوز النص الدستوري في عملية التشكيل، من خلال التدخّل، ووضع "الفيتوات" على الأسماء والحقائب وما سوى ذلك، على اعتبار أن حق التشكيل حصري عند الرئيس المكلف، بالتشاور مع رئيس الجمهورية. وهكذا تضخّمت هذه العقدة، وظهرت على هيئة تحدٍّ بين طرفين، كل طرف فيهما يريد أن يفرض إرادته ورؤيته.
والحقيقة أن العقدة الجديدة التي أخّرت تشكيل الحكومة، وحالت حتى لحظة كتابة هذه السطور دون ولادتها والإعلان عنها، على الرغم من حاجة البلد إليها، ليست عقدة كبيرة أو كأداء أو تستحق التضحية بالبلد واقتصاده واستقراره، وإثارة العصبية الطائفية والمذهبية من جديد من أجلها. الحقيقة أن هذه العقدة، في أساسها وجوهرها، هي عقدة محاولة الهيمنة على البلد، وعلى قراره، وتفريغ النصوص الدستورية الناظمة للحياة العامة من خلال الممارسة والتأثير. وبالتالي، إطاحة الصلاحيات الموزّعة بين المكوّنات من خلال الفعل اليومي، تمهيداً لقلب الأمور وتكريسها والهيمنة عبر النص الدستوري، وهو أخطر ما في هذه اللعبة والمقامرة.
الحقيقة أن العقدة هذه لا تستوجب كل هذا الضغط سوى أنها محاولة لتكريس منطق الغالب والمغلوب، والقاهر والمقهور، والمنتصر المُقرِر، والمهزوم القابل بالهزيمة، وهذا كله لا يبني شراكةً حقيقية، ولا ثقة بالعيش المشترك في هذا البلد، مهما كانت العناوين جذّابة وبرّاقة وبريئة. الحقيقة أن البلد بات بحاجةٍ ماسّةٍ لإعادة الثقة بين مكوّناته من جديد، وإلى قناعة حقيقية بالعيش معاً في وطنٍ يتساوى فيه المواطنون، وإلى إلغاء التفكير بفكرة الغالب والمغلوب، حتى لو كانت الغلبة لأي طرف، فالتمسّك بمنطق الدولة والدستور هو القوة والغلبة الحقيقية، وإلّا فإن المصطادين بالماء العكر كثر، وقد يجدون في لبنان الذي نجا من ويلات ما حلّ بالمنطقة بحيرة عكرة وصيداً ثميناً طالما أرادوه
تبخّرت مع موقف حزب الله كل الأماني التي علّقها رئيس الجمهورية، ورئيس المجلس النيابي، ورئيس الحكومة المكلف، على ولادة الحكومة وانطلاق مسيرة النهوض في ظل الواقع الاقتصادي الهشّ والمتفاقم والمتردّي، وكاد الجميع يُصاب بالإحباط واليأس من كل ما جرى ويجري، وقد جاءت كلمة الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، يوم السبت الماضي، لتؤكّد موقف الحزب المتمسك بتوزير حلفائه من النواب السنة، بل وقد ذهب نصر الله إلى أبعد من ذلك، عندما قطع لهم وعداً وعهداً أن لا يسلّم أسماء وزراء الحزب إلى الرئيس المكلف، إذا لم يتمثّلوا في الحكومة، أو أن يقبلوا بأية صيغةٍ تطرح عليهم، مبدياً الاستعداد للانتظار سنة وسنوات، من دون حكومة، إذا لم يُصَرْ إلى تلبية هذا المطلب. لقد برز جانب التحدّي في
والحقيقة أن العقدة الجديدة التي أخّرت تشكيل الحكومة، وحالت حتى لحظة كتابة هذه السطور دون ولادتها والإعلان عنها، على الرغم من حاجة البلد إليها، ليست عقدة كبيرة أو كأداء أو تستحق التضحية بالبلد واقتصاده واستقراره، وإثارة العصبية الطائفية والمذهبية من جديد من أجلها. الحقيقة أن هذه العقدة، في أساسها وجوهرها، هي عقدة محاولة الهيمنة على البلد، وعلى قراره، وتفريغ النصوص الدستورية الناظمة للحياة العامة من خلال الممارسة والتأثير. وبالتالي، إطاحة الصلاحيات الموزّعة بين المكوّنات من خلال الفعل اليومي، تمهيداً لقلب الأمور وتكريسها والهيمنة عبر النص الدستوري، وهو أخطر ما في هذه اللعبة والمقامرة.
الحقيقة أن العقدة هذه لا تستوجب كل هذا الضغط سوى أنها محاولة لتكريس منطق الغالب والمغلوب، والقاهر والمقهور، والمنتصر المُقرِر، والمهزوم القابل بالهزيمة، وهذا كله لا يبني شراكةً حقيقية، ولا ثقة بالعيش المشترك في هذا البلد، مهما كانت العناوين جذّابة وبرّاقة وبريئة. الحقيقة أن البلد بات بحاجةٍ ماسّةٍ لإعادة الثقة بين مكوّناته من جديد، وإلى قناعة حقيقية بالعيش معاً في وطنٍ يتساوى فيه المواطنون، وإلى إلغاء التفكير بفكرة الغالب والمغلوب، حتى لو كانت الغلبة لأي طرف، فالتمسّك بمنطق الدولة والدستور هو القوة والغلبة الحقيقية، وإلّا فإن المصطادين بالماء العكر كثر، وقد يجدون في لبنان الذي نجا من ويلات ما حلّ بالمنطقة بحيرة عكرة وصيداً ثميناً طالما أرادوه