وبعد ما تم تداوله مؤخرا عن تعديلات متفرقة في مناهج المرحلة الابتدائية، استهدفت بث الولاء لمؤسستي الجيش والشرطة وثورة 30 يونيو، وما سبق ذلك من تقديم معلومات غير حقيقية عن شخصيّات في الوقت الحاضر، كما حدث في كتاب التاريخ للصف السادس الابتدائي، حيث وضعت صور محمود بدر وحسن شاهين ومحمد عبد العزيز، أعضاء حركة "تمرد"، مع وصفهم بأنهم من أبطال مصر.
فمنذ أحداث 30 يونيو 2013 في مصر وما أعقبها من انقلاب عسكري في الثالث من يوليو، عكفت وسائل الإعلام المصرية على التأكيد على أن ما حدث في البلاد هو ثورة شعبية تحققت فيها إرادة المصريين، ودأبت الدولة على استخدام كافة المؤسسات لفرض وجهة نظرها حول الأحداث السياسية في البلاد.
ولم تسلم المؤسسات التعليمية من توظيف السلطة لها كأداة في معركتها السياسية، وكان سبيلها في ذلك تغيير المناهج الدراسية، خاصة للتلاميذ في المراحل الأساسية والابتدائية الذين ليس لديهم معرفة بحقيقة ما حدث.
يقول الدكتور كمال مغيث رئيس المركز القومي للبحوث التربوية سابقا، إن خبرته الطويلة في مجال الأبحاث التربوية وكتابة المناهج الدراسية، جعلته يدرك أن المقرر الدراسي في مصر يستخدم لخدمة النظام السياسي في البلاد، أيا كان هذا النظام، عسكريا أم إسلاميا.
ويضيف مغيث أن الأنظمة السياسية تعرف جيدا أن التعليم هو أهم أداة لتوجيه الأجيال القادمة، ولذلك تعتمد على المناهج في تلقين المواطنين ما تريدهم أن يعرفوه. وبالتراكم يصبح ما تعلمه الفرد في مدرسته ثقافة عامة في المجتمع.
ويعطي الخبير التربوي أمثلة عدة على توظيف التعليم لخدمة السلطة الحاكمة، فيقول "في عهد مبارك تم التركيز على أهمية الرئيس، وأنه صاحب الضربة الجوية الأولى خلال حرب أكتوبر، وتم تهميش المئات من أبطال حرب الست ساعات، وكأن مبارك خاض الحرب وانتصر وحده. والآن يتم تشويه صورة جماعة الإخوان المسلمين، وتعظيم شخص الرئيس عبد الفتاح السيسي"، معلقا "وكأن السيسي وحده من سيقود البلاد، وليس المصريين جميعا".
التلاعب بالمناهج الهدف منه، بحسب مغيث، تجهيز التلاميذ للعزف ضمن منظومة النفاق السائدة، مؤكدا أن على وزير التعليم عدم الرضوخ للضغوط التي تجبره على تغيير المناهج، لأن ذلك يعتبر تلاعبا بعقول أجيال قادمة، وعليه الاعتماد على خبراء متخصصين في كتابة التاريخ بشكل سليم.
ويرى مغيث أن خطورة التلاعب بالمناهج الدراسية، تماشيا مع الظروف السائدة في البلاد، يصيب الأجيال بأمرين لا ثالث لهما: الأول التفاعل مع ما تم تلقيه، فيخرج الطالب ولديه المرونة الشديدة في التعامل بذات الأسلوب السائد في البلاد والانضمام لمنظومة الفساد الموجودة.
والأمر الآخر هو التغريب، فحين يخرج الطالب إلى العالم ويكتشف أن ما تلقاه طوال حياته لم يكن صحيحا، يحدث له حالة من الانفصال عن مجتمعه، ويشعر بغربة داخله.