حليف لماكرون يُكذّب تُهَم موقع "ميديا بارت" عن الولائم والنفقات الباذخة..ويرفض الاستقالة
تعيش فرنسا اليوم فصلاً جديداً من فضائح رجال السياسة، يتمثل في قضية "حياة القصور" التي عاشها وزير البيئة، الإيكولوجي فرانسوا دي روجي، حين كان رئيسا لمجلس النواب، وهو المقرب من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وحكومته. فقد نشر موقع "ميديا بارت" الإخباري تحقيقا مطولا عن ولائم فاخرة أعدّها رئيس البرلمان وزوجته على شرف ضيوف وأصدقاء، تضمنت أطعمة ونبيذاً فاخراً يصل سعر القنينة الواحدة منه إلى 500 يورو، وكل هذا، يقول الموقع، على حساب دافعي الضرائب الفرنسيين. ثم أضافت إلى الفضيحة الأولى فضيحة أخرى، تتمثل في إنجاز أعمال صيانة مُكْلِفَة في مقر سكناه، لم يجد الوزير الذي سبقه، نيكولا هولو، ضرورةً لإنجازها.
فرنسا وصحافتها والرأي العام، أيضا، يتعطشون لفضائح رجال السياسة، وخاصة حين يكونون في موقف ضعف، وقد جرَّبَها عهدُ ماكرون، الذي أراد أن تكون ولايته "نموذجية"، خاصة في ما يتعلق بالأخلاق السياسية و"تخليقها"، وتحديداً بعد استقالات مدوّية لوزراء مهمين ثم قضية حارسه الشخصي السابق، ألكسندر بنعلا.
وتكفي الصورة التي نشرها الموقع لمائدة تتضمن سرطانات بحرية كبيرة باهضة الثمن، وقنينة نبيذ معتق، لإرسال دي روجي إلى "المقصلة الإعلامية"، و"الإعدام السياسي"، فقد انتشرت الصورة وتداولها الآلاف من الفرنسيين، مع تعليقات مثيرة وغاضبة من نخبة سياسية "فاسدة"، تعيش في عالَمها بعيدا عن عالم الأغلبية التي تعاني من قسوة غلاء المعيشة، كما أرادت حركة "السترات الصفراء" أن تؤكده ولا تزال عبر تظاهراتها واحتجاجاتها.
وليس دي روجي، وهو الرجل الثاني في الحكومة، المستهدَف لوحده، فماكرون ليس ببعيد عن المشهد، وبالتالي فإن "حكمه النموذجي"، الذي أراده "قطيعة" مع ما سبق عبر "تخليق السياسة"، بات محط تشكيك وسط الفضائح المتتالية التي تناقض الشعارات المرفوعة.
كذلك فإن وزير البيئة، القادم من الإيكولوجيا (تيار الخضر أو الحفاظ على البيئة)، سقط في تناقضاته باعتباره حاول، أثناء فترة ترؤسه لمجلس النواب، الظهور بمظهر الحريص على ترشيد النفقات ووقف المصاريف الزائدة التي كانت سائدة في السابق. وبالتالي فإن الصُوَر التي خرجت من مقر إقامته، وهو فندق خاص فخم تابع لمجلس النواب، يتوفر على طباخ كبير مرموق، تفضَحُ، من حيث الصورة، على الأقل، "زيف" التقشف أو ترشيد النفقات التي وعد بها دي روجي.
وإضافة إلى أن موقع "ميديا بارت"، الذي استطاع، قبل سنوات، إسقاط جيروم كاهوزاك، وهو وزير اشتراكي، بتهمة امتلاكه لحساب مصرفي في سويسرا، لم يَنْس "خيانة" دي روجي، الذي شارك في انتخابات الاشتراكيين والإيكولوجيين الداخلية لتعيين مرشح لرئاسيات 2017، والتي شهدت إقصاء المرشح الإيكولوجي دي روجي وفوز الاشتراكي بونوا هامون، ثم قرر دي روجي التخلي عن المرشح الاشتراكي، مفضِّلاً الانضمام إلى حملة المرشح آنذاك ماكرون.
وفي هذا الصدد، يرى جيرار ميلر، المحلل النفساني المعروف والإعلامي المقرب من حركة ماكرون "فرنسا غير الخاضعة"، أن "خيانة" دي روجي السياسية كان لا بد لها من عقاب.
وبالتالي فإن موقفه، المتمثل في التخلّي عن عائلته السياسية، أغضب كثيرين في اليسار الفرنسي، وجعل بعضهم يبحث عن هفواته، فيما الآخرون لا يخفون شماتتهم بكل ما يحصل له.
لم يرتكب دي روجي ما يعاقب عليه القانون الفرنسي، فدعوة ضيوف على حساب الدولة معمول بها وتعود بالنفع عليها، لكنه قد يكون ارتكب أخطاء أخلاقية، كما يقول معظم منتقديه، إذ إن الصُوَر المهرَّبة من الفندق الفخم، حيث الولائم الباذخة، لا بد أن تُغضب كثيرا من الفرنسيين، الذين كشفت حركة "السترات الصفراء" أن مرتباتهم الشهرية لا تكفي لنصف شهر.
وقد تفطّن دي روجي، في وق مبكرة، لخطورة الصُوَر حين تستولي عليها "مَحَاكِم" شبكات التواصل الاجتماعي، فبادر على الفور إلى الدفاع عن نفسه، مؤكدا أن المدعوّين لم يكونوا من أصحابه، بل من المجتمع المدني ومن الضيوف، وأنه ليس من عشّاق النبيذ، ولا يستسيغ الشامبانيا، معربا عن استعداده لتقديم كل المعلومات في ما يخص المدعويّن وأيضا في ما يخص أعمال الإصلاح في مقر سكناه.
كما استفاد دي روجي من بُطء ماكرون في التعامل مع "قضية بنعلا"، ومن مقولته "فليأتوا للبحث عني"، والذي تسبَّب في خسارات سياسية كبيرة وفي تدهور شعبيته. فبادر وزير البيئة إلى التلفزيون لتبرئة ذمته، صباح اليوم الجمعة، في لقاء مع الصحافي جان جاك بوردان. وكاد يُجهش بالبكاء حين كشف أنه، فور صدور مقال موقع "ميديا بارت"، فكّر في الاستقالة. لولا أنه تمالَكَ نفسه، ثم حصل بعد ذلك على دعم واضح من رئيس الجمهورية ومن رئيس حكومته، إدوار فيليب، بعد لقاء معه دام ساعتين، أمس، كشف فيه هذا الأخير أن دي روجي مستعدّ لدفع تعويض مادي في حال ثبوت مسؤوليته.
كما اعترف دي روجي في هذا اللقاء بأنه لم يفعل كل ما كان يجب عليه أن يَفعله، إذ كان عليه أن يضع حدا للبذخ والولائم الفاخرة في مجلس النواب.
Twitter Post
|
ويجد وزير البيئة نفسه، عَدا دعم ماكرون ورئيس حكومته، وحيداً، إذ لم يُخف وزراء ومسؤولون في الأغلبية صدمتهم من صُوَر الوليمة. ولا أحد يعرف كم سيصمُدُ دي روجي، إذ إن البعض يتحدث عن مقالات أخرى قادمة يدَّخرها موقع "ميديا بارت" للوزير المعني.
Twitter Post
|
وفي كل الحالات، لن يَنسى أحدٌ هذه الصُوَر وقوتها التدميرية ولطخاتها التي لا تمَّحي، والتي أصبحت من الآن فصاعدا تحمل شعار "سرطان البحر قتلني"، في استعارة لجملة شهيرة: "عمر قتلني"، والتي قد تكون الضحية غيزلين مارشال قد كتبتها، يوم 24 يونيو/حزيران 1991، قبل أن تلفظ نفسَها الأخير، والتي قضى بسببها البستاني المغربي في فرنسا، عمر الرداد، 18 عاما خلف قضبان السجن قبل أن يبرئه القضاء.