30 أكتوبر 2024
حل الدولتين.. سقط أم فارق الحياة؟
تبدو مقولة أحد وزراء حزب الليكود اليمينيّ الحاكم، في مقابلة إذاعية أدلى بها هذا الأسبوع، ورد فيها أن "حل الدولتين فارق الحياة تمامًا" (3/9/2018)، بمثابة أحدث التصريحات الإسرائيلية المرتبطة بهذا الحلّ، وهي اندرجت ضمن سيل تعقيبات على إعادة نبش حل الكونفدرالية مع الأردن.
غير أن هذه المقولة، في إشارتها، بكيفيةٍ ما، إلى صيرورة هذا الحلّ، تأتي بعد أكثر من عقد على مقولةٍ أخرى، هي "سقوط حل الدولتين"، والتي تواترت في إثر الانقسام الفلسطيني عام 2007، وتضمنتها تقارير وتحليلات كثيرة في ذلك الوقت. وما زلت أذكر مثلًا أن أحد هذه التحليلات استعاض عن كلمة سقوط بالعبارة التالية: أصبح قيام الدولة الفلسطينية سرابًا يتلاشى في البعيد، كلما تمّ الاقتراب منه.
وفي مناسبة عودة تعامل إسرائيل مع قطاع غزة، تحت تأثير "مسيرات العودة" الفلسطينية المستمرة منذ يوم 30 آذار/ مارس، عادت إلى الأذهان خطّة فك الارتباط أحادي الجانب التي قادها أريئيل شارون عام 2005. وأشير، من ضمن أمور أخرى، إلى أن هذه الخطة هدفت إلى تحييد قطاع غزة سياسيًا وأمنيًا عن قضايا الحل الدائم لمسألة فلسطين. وفي غمرة ذلك، لم يستبعد محللون احتمال أن شارون كان، في قرارة نفسه، يهدف من خطته، أيضًا، إلى فصل غزة عن الضفة الغربية، جزءا من رؤيته للحل الذي لم يكتمل بسبب مرضه وتنحيته عن السلطة. ولاحقًا، بعد سلسلة من الحروب التي أعقبت تلك الخطة، وعقب الانقسام الفلسطيني عام 2007، وفي أثر صعود اليمين الإسرائيلي إلى الحكم عام 2009، بدأ هذا اليمين ينظر إلى الانقسام الفلسطيني باعتباره "فرصة سياسية" لتعزيز رؤيته للحل أو عدم الحل؛ فمن جهة تقارع إسرائيل السلطة الفلسطينية في رام الله بأنها لا تمثل كل الفلسطينيين في أراضي 1967 بسبب عدم سيطرتها على قطاع غزة، ومن جهة أخرى ترفض أي مصالحة فلسطينية تؤدي إلى وحدة السلطة بين القطاع والضفة الغربية، بذريعة أن حركة حماس "إرهابية"! وهذا كله ربما يكون مرتبطًا بتحرير الموقف السياسي من حل الدولتين لا أكثر.
من ناحية الوقائع الميدانية فحدّث ولا حرج. لا يزال معظم مساحة الضفّة الغربية تقوم عليه مستوطنات إسرائيلية، ومناطق عسكرية مغلقة، و"محميّات طبيعية"، وطرقات مخصّصة للمستوطنين الإسرائيليين فقط، علاوة على الجدار الفاصل المشيّد في عمق الأراضي الفلسطينية، وعلى أن القدس الشرقية العربية تكاد تكون مفصولةً بشكل كامل تقريبًا عن باقي الضفّة الغربية بحلقةٍ من المستوطنات اليهودية.
وبخصوص القدس، قد يكون مفيدا، لكن في سياق آخر، التوقف عند إسقاطها من جدول المفاوضات المفترض أن تجري، لا من خلال الإجراءات التي اتخذتها الإدارة الأميركية أخيرًا، وفي مقدمها نقل السفارة إليها، إنما أيضًا عبر الخطوات الإسرائيلية القانونية والميدانية، ومنها كل ما يرمي إلى تعميق "دمج" الفلسطينيين المقدسيين في المجتمع الإسرائيلي، اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا، في مقابل تعميق الفصل بينهم وبين أبناء الشعب الفلسطيني في المناطق الأخرى من الضفة الغربية.
ويدفعنا الوضع الموصوف هنا إلى طرح هاجسين كبيرين. الأول: سواء سقط حل الدولتين أم فارق الحياة، لا يهم. وللعلم، وُلد هذا الحلّ مسخًا أصلًا. وتلقى عدة طعنات مسمومة خلال أعوام إدارة جورج بوش. الثاني: هل ما آلت إليه أوضاع الفلسطينيين كان بسبب دولة الاحتلال فقط؟ أفلم يحن الوقت لمواجهة تهمة أن الفلسطينيين هم "أسوأ عدوّ لأنفسهم"، التي سبق أن أطلقها بعض الحريصين عليهم؟
وبين هذا وذاك، لا مهرب من ضرورة تصاعد الإدراك أن إسرائيل لن تتراجع أو تتخلّ عن شيء من طريق التفاوض. تبلور هذا الإدراك بفعل حقيقة أن ذلك الطريق جُرّب مرارًا وتكرارًا، ولم يصل إلى أي مكان، وقد يتصاعد مع اشتداد ظروف الحياة المروّعة تحت وطأة الاحتلال، فيتسبّب بتلمّس طريقٍ بديل.
غير أن هذه المقولة، في إشارتها، بكيفيةٍ ما، إلى صيرورة هذا الحلّ، تأتي بعد أكثر من عقد على مقولةٍ أخرى، هي "سقوط حل الدولتين"، والتي تواترت في إثر الانقسام الفلسطيني عام 2007، وتضمنتها تقارير وتحليلات كثيرة في ذلك الوقت. وما زلت أذكر مثلًا أن أحد هذه التحليلات استعاض عن كلمة سقوط بالعبارة التالية: أصبح قيام الدولة الفلسطينية سرابًا يتلاشى في البعيد، كلما تمّ الاقتراب منه.
وفي مناسبة عودة تعامل إسرائيل مع قطاع غزة، تحت تأثير "مسيرات العودة" الفلسطينية المستمرة منذ يوم 30 آذار/ مارس، عادت إلى الأذهان خطّة فك الارتباط أحادي الجانب التي قادها أريئيل شارون عام 2005. وأشير، من ضمن أمور أخرى، إلى أن هذه الخطة هدفت إلى تحييد قطاع غزة سياسيًا وأمنيًا عن قضايا الحل الدائم لمسألة فلسطين. وفي غمرة ذلك، لم يستبعد محللون احتمال أن شارون كان، في قرارة نفسه، يهدف من خطته، أيضًا، إلى فصل غزة عن الضفة الغربية، جزءا من رؤيته للحل الذي لم يكتمل بسبب مرضه وتنحيته عن السلطة. ولاحقًا، بعد سلسلة من الحروب التي أعقبت تلك الخطة، وعقب الانقسام الفلسطيني عام 2007، وفي أثر صعود اليمين الإسرائيلي إلى الحكم عام 2009، بدأ هذا اليمين ينظر إلى الانقسام الفلسطيني باعتباره "فرصة سياسية" لتعزيز رؤيته للحل أو عدم الحل؛ فمن جهة تقارع إسرائيل السلطة الفلسطينية في رام الله بأنها لا تمثل كل الفلسطينيين في أراضي 1967 بسبب عدم سيطرتها على قطاع غزة، ومن جهة أخرى ترفض أي مصالحة فلسطينية تؤدي إلى وحدة السلطة بين القطاع والضفة الغربية، بذريعة أن حركة حماس "إرهابية"! وهذا كله ربما يكون مرتبطًا بتحرير الموقف السياسي من حل الدولتين لا أكثر.
من ناحية الوقائع الميدانية فحدّث ولا حرج. لا يزال معظم مساحة الضفّة الغربية تقوم عليه مستوطنات إسرائيلية، ومناطق عسكرية مغلقة، و"محميّات طبيعية"، وطرقات مخصّصة للمستوطنين الإسرائيليين فقط، علاوة على الجدار الفاصل المشيّد في عمق الأراضي الفلسطينية، وعلى أن القدس الشرقية العربية تكاد تكون مفصولةً بشكل كامل تقريبًا عن باقي الضفّة الغربية بحلقةٍ من المستوطنات اليهودية.
وبخصوص القدس، قد يكون مفيدا، لكن في سياق آخر، التوقف عند إسقاطها من جدول المفاوضات المفترض أن تجري، لا من خلال الإجراءات التي اتخذتها الإدارة الأميركية أخيرًا، وفي مقدمها نقل السفارة إليها، إنما أيضًا عبر الخطوات الإسرائيلية القانونية والميدانية، ومنها كل ما يرمي إلى تعميق "دمج" الفلسطينيين المقدسيين في المجتمع الإسرائيلي، اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا، في مقابل تعميق الفصل بينهم وبين أبناء الشعب الفلسطيني في المناطق الأخرى من الضفة الغربية.
ويدفعنا الوضع الموصوف هنا إلى طرح هاجسين كبيرين. الأول: سواء سقط حل الدولتين أم فارق الحياة، لا يهم. وللعلم، وُلد هذا الحلّ مسخًا أصلًا. وتلقى عدة طعنات مسمومة خلال أعوام إدارة جورج بوش. الثاني: هل ما آلت إليه أوضاع الفلسطينيين كان بسبب دولة الاحتلال فقط؟ أفلم يحن الوقت لمواجهة تهمة أن الفلسطينيين هم "أسوأ عدوّ لأنفسهم"، التي سبق أن أطلقها بعض الحريصين عليهم؟
وبين هذا وذاك، لا مهرب من ضرورة تصاعد الإدراك أن إسرائيل لن تتراجع أو تتخلّ عن شيء من طريق التفاوض. تبلور هذا الإدراك بفعل حقيقة أن ذلك الطريق جُرّب مرارًا وتكرارًا، ولم يصل إلى أي مكان، وقد يتصاعد مع اشتداد ظروف الحياة المروّعة تحت وطأة الاحتلال، فيتسبّب بتلمّس طريقٍ بديل.