31 أكتوبر 2017
حماس وإسرائيل... مواجهة جديدة؟
أثارت "توقعات" الوزيرين الإسرائيليين، نفتالي بنات ويوآف غالانت، الأسبوع الماضي، بإمكانية شن حرب جديدة على قطاع غزة بحلول الربيع المقبل، جدلاً كثيرا في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي إسرائيل ذاتها، فالاثنان عضوان في المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن الذي يعد أهم وأضيق دائرة صنع قرار سياسي وعسكري في تل أبيب، فلا يمكن الاستخفاف بـ "توقعاتهما" بشأن توقيت شن الحرب. لكن السؤال: هل هذه "التوقعات" واقعية، وهل بالفعل حتى الربيع يمكن أن تتوفر مركبات البيئة التي تسوّغ لإسرائيل شن الحرب؟
لم يحدث حتى الآن، وليس من المتوقع أن يحدث، في المدى المنظور، أي تحول موضوعي على بيئة العلاقة الحالية بين حركة حماس وإسرائيل، يمكن أن يشكل مسوّغا موضوعيا يقنع صناع القرار في إسرائيل بشن حرب على القطاع، فكما يقر المعلقون الصهاينة، فإنه منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى أواخر 1987 لم تكن الحدود بين قطاع غزة والكيان الصهيوني هادئة كما هي الآن، على الرغم من عمليات إطلاق القذائف الصاروخية في أوقات متباعدة، وتنسب لمجموعات من السلفية الجهادية، مع العلم أن هذه القذائف تسقط في جميع الحالات في مناطق مفتوحة. وإلى جانب الهدوء غير المسبوق، لا يوجد هدف إستراتيجي يمكن لإسرائيل أن تحققه من شن حرب جديدة، فحتى وزير الحرب، أفيغدور ليبرمان، الوحيد الذي كان ينادي بشن حرب بهدف إسقاط حكم حركة حماس في غزة، تراجع حماسه بشكل واضح لتحقيق هذا الهدف، على اعتبار أنه لا توجد جهة فلسطينية تصلح لتكون عنوانا سلطويا، يمكن أن يتولى مقاليد الأمور في القطاع، بعد التخلص من حكم حماس؛ حيث أنه في حال لم تتمكّن إسرائيل من "تأمين" مثل هذا العنوان، فهذا يعني تورّطاً طويل الأمد في المستنقع الغزّي، سيفضي إلى استنزاف الكيان الصهيوني أمنيا واقتصاديا وإسرائيليا. ناهيك عن أن أي عمل عسكري واسع ضد قطاع غزة سيستلزم مسبقا إجلاء جميع المستوطنين الذين يقطنون في منطقة "غلاف غزة"، مع كل ما يتطلبه الأمر من جهودٍ وإمكانات.
ومما يدلل على أن "توقعات" غالانت وبنات لا تعكس الرأي السائد حتى الآن في المجلس الوزاري المصغر حقيقة أنهما تعرّضا لتوبيخ علني من وزير الاستخبارات والمواصلات، يسرائيل كاتس، والذي اتهم بنات تحديدا بتهديد مصالح إسرائيل بمحاولة جر إسرائيل إلى حرب ضد غزة، لتحقيق مكاسب سياسية شخصية. وتعرّض بنات وغالانت لموجة كبيرة من الانتقادات، وجهها لهما جنرالات متقاعدون ومعلقون من العيار الثقيل. وعلى صعيد آخر، لا توجد مؤشرات على أن لدى حركة حماس رغبة في مواجهة جديدة، فهي مشغولة بمحاولة إحداث تغيير على طابع علاقاتها الإقليمية، لتتمكّن من التأقلم مع تهاوي فرص إنهاء الانقسام الداخلي الذي فاقم خطورة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في بقعةٍ جغرافيةٍ من الأكثر كثافة سكانية في العالم.
لكن، على الرغم من كل ما تقدم، فإن استشراف النوايا الإسرائيلية تجاه قطاع غزة، استنادا إلى معطيات موضوعية، والانطلاق من افتراض مفاده بأن دائرة صنع القرار في تل أبيب ستتصرف تجاه غزة من منطلقاتٍ عقلانيةٍ قد لا يثبت نفسه في اختبار الواقع في النهاية، حتى لو جاهر وزير الاستخبارات الصهيوني برفضه توقعات غالانت وبنات.
وفي تقديري، يتوجب، عند بناء توقعات بشأن مستقبل التعاطي الإسرائيلي مع غزة، أن نأخذ بالاعتبار متغيرين أساسيين غير مرتبطين بسلوك حركة حماس، قد يؤثران على اتجاهات عملية صنع القرار الإسرائيلي تجاه القطاع. وهما:
أولا: تداعيات تقرير "مراقب الدولة" الصهيوني حول حرب غزة 2014، الذي صدر أخيراً، وتضمن توجيه اتهامات للمستويين، السياسي والأمني، بالتقصير في أداء مهامها عشية تلك الحرب وفي أثنائها، ولا سيما في كل ما يتعلق بطابع التعاطي مع الأنفاق التي حفرتها "حماس"، والتي أفضت إلى تقليص تأثير سلاحي الطيران والمدرعات، ومكنت مقاتلي الحركة من الالتفاف على الخطوط الخلفية لجيش الاحتلال في أثناء الحرب. فقد تسبب هذا التقرير في إحراج القيادات السياسية والعسكرية، وهو ما سمح لممثلي اليمين المتطرّف في الحكومة، ولا سيما رئيس حزب البيت اليهودي، المتدين نفتالي بنات، من استغلال التقرير في ترويج حرب جديدة ضد القطاع. ويستخدم بنات، الذي يمثل الأقلية حتى الآن في الحكومة، تكتيكاً بسيطاً لكنه خطير، حيث يطالب بضرورة شروع الجيش بالعمل فورا ضد الأنفاق، وإن تطلب الأمر اقتحام الحدود مع القطاع، وهذا يعني زيادة فرص انفجار المواجهة. قد يكون بنات غير جاد في دعوته، وأن كل ما يعنيه هو مراكمة مكاسب سياسية، لتحسين قدرته على التنافس على قيادة اليمين، إلا أنه لا يمكن الاستهانة بتأثير مثل هذا الخطاب على بيئة صنع القرار السياسي في إسرائيل، حيث أن بنات نجح بالفعل في استدراج ليبرمان إلى التعهد بأن يستخدم الجيش الإسرائيلي كل قوة النيران التي لديه في أية حرب مقبلة ضد القطاع. مع العلم أن قوة النيران التي استخدمها الجيش الصهيوني في حرب 2014 فاقت قوة النيران التي استخدمها في كل الحروب التي خاضها ضد الدول العربية، باستثناء حرب 1973.
ثانيا: تراجع مكانة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وانحسار قوته السياسية بسبب زيادة ملفات الفساد التي يتم التحقيق معه ومع أفراد أسرته بشأنها، ما أدى، من ناحية، إلى تعزيز مكانة
القوى الأكثر تطرّفا داخل حزب الليكود، وفي اليمين الحاكم بشكل عام. ومن ناحية ثانية، قد يدفع هذا الواقع نتنياهو مستقبلا إلى التساوق مع دعوات التصعيد ضد غزة، في محاولة لضمان مستقبله السياسي؛ مع العلم أن التجربة أثبتت أن قدرة نتنياهو على مواجهة الضغوط الداخلية متدنية. ويمكن لنتنياهو أن يستبق تطور التحقيقات معه بحل البرلمان، وتبكير موعد الانتخابات، ما قد يجعله متحمسا لمحاولة للفت أنظار الرأي العام عن قضايا الفساد، بفرض جدول أعمال أمني من خلال التصعيد على غزة.
قصارى القول، حتى الآن لا توجد أسباب موضوعية يمكن أن تدفع دائرة صنع القرار السياسي في تل أبيب حاليا إلى التحمس لشن حرب جديدة على القطاع. وبالتالي، يمكن أن يمتد الهدوء الحالي إلى أمد بعيد، وأطول مما يتصوره كثيرون. لكن الموضوعية تقتضي أيضا عدم تجاهل اعتبارات السياسة الداخلية في إسرائيل. وهنا تكتسب شهادة وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر، الذي قال يوما: "لا يوجد لإسرائيل سياسة خارجية، بل سياسة داخلية فقط".
لم يحدث حتى الآن، وليس من المتوقع أن يحدث، في المدى المنظور، أي تحول موضوعي على بيئة العلاقة الحالية بين حركة حماس وإسرائيل، يمكن أن يشكل مسوّغا موضوعيا يقنع صناع القرار في إسرائيل بشن حرب على القطاع، فكما يقر المعلقون الصهاينة، فإنه منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى أواخر 1987 لم تكن الحدود بين قطاع غزة والكيان الصهيوني هادئة كما هي الآن، على الرغم من عمليات إطلاق القذائف الصاروخية في أوقات متباعدة، وتنسب لمجموعات من السلفية الجهادية، مع العلم أن هذه القذائف تسقط في جميع الحالات في مناطق مفتوحة. وإلى جانب الهدوء غير المسبوق، لا يوجد هدف إستراتيجي يمكن لإسرائيل أن تحققه من شن حرب جديدة، فحتى وزير الحرب، أفيغدور ليبرمان، الوحيد الذي كان ينادي بشن حرب بهدف إسقاط حكم حركة حماس في غزة، تراجع حماسه بشكل واضح لتحقيق هذا الهدف، على اعتبار أنه لا توجد جهة فلسطينية تصلح لتكون عنوانا سلطويا، يمكن أن يتولى مقاليد الأمور في القطاع، بعد التخلص من حكم حماس؛ حيث أنه في حال لم تتمكّن إسرائيل من "تأمين" مثل هذا العنوان، فهذا يعني تورّطاً طويل الأمد في المستنقع الغزّي، سيفضي إلى استنزاف الكيان الصهيوني أمنيا واقتصاديا وإسرائيليا. ناهيك عن أن أي عمل عسكري واسع ضد قطاع غزة سيستلزم مسبقا إجلاء جميع المستوطنين الذين يقطنون في منطقة "غلاف غزة"، مع كل ما يتطلبه الأمر من جهودٍ وإمكانات.
ومما يدلل على أن "توقعات" غالانت وبنات لا تعكس الرأي السائد حتى الآن في المجلس الوزاري المصغر حقيقة أنهما تعرّضا لتوبيخ علني من وزير الاستخبارات والمواصلات، يسرائيل كاتس، والذي اتهم بنات تحديدا بتهديد مصالح إسرائيل بمحاولة جر إسرائيل إلى حرب ضد غزة، لتحقيق مكاسب سياسية شخصية. وتعرّض بنات وغالانت لموجة كبيرة من الانتقادات، وجهها لهما جنرالات متقاعدون ومعلقون من العيار الثقيل. وعلى صعيد آخر، لا توجد مؤشرات على أن لدى حركة حماس رغبة في مواجهة جديدة، فهي مشغولة بمحاولة إحداث تغيير على طابع علاقاتها الإقليمية، لتتمكّن من التأقلم مع تهاوي فرص إنهاء الانقسام الداخلي الذي فاقم خطورة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في بقعةٍ جغرافيةٍ من الأكثر كثافة سكانية في العالم.
لكن، على الرغم من كل ما تقدم، فإن استشراف النوايا الإسرائيلية تجاه قطاع غزة، استنادا إلى معطيات موضوعية، والانطلاق من افتراض مفاده بأن دائرة صنع القرار في تل أبيب ستتصرف تجاه غزة من منطلقاتٍ عقلانيةٍ قد لا يثبت نفسه في اختبار الواقع في النهاية، حتى لو جاهر وزير الاستخبارات الصهيوني برفضه توقعات غالانت وبنات.
وفي تقديري، يتوجب، عند بناء توقعات بشأن مستقبل التعاطي الإسرائيلي مع غزة، أن نأخذ بالاعتبار متغيرين أساسيين غير مرتبطين بسلوك حركة حماس، قد يؤثران على اتجاهات عملية صنع القرار الإسرائيلي تجاه القطاع. وهما:
أولا: تداعيات تقرير "مراقب الدولة" الصهيوني حول حرب غزة 2014، الذي صدر أخيراً، وتضمن توجيه اتهامات للمستويين، السياسي والأمني، بالتقصير في أداء مهامها عشية تلك الحرب وفي أثنائها، ولا سيما في كل ما يتعلق بطابع التعاطي مع الأنفاق التي حفرتها "حماس"، والتي أفضت إلى تقليص تأثير سلاحي الطيران والمدرعات، ومكنت مقاتلي الحركة من الالتفاف على الخطوط الخلفية لجيش الاحتلال في أثناء الحرب. فقد تسبب هذا التقرير في إحراج القيادات السياسية والعسكرية، وهو ما سمح لممثلي اليمين المتطرّف في الحكومة، ولا سيما رئيس حزب البيت اليهودي، المتدين نفتالي بنات، من استغلال التقرير في ترويج حرب جديدة ضد القطاع. ويستخدم بنات، الذي يمثل الأقلية حتى الآن في الحكومة، تكتيكاً بسيطاً لكنه خطير، حيث يطالب بضرورة شروع الجيش بالعمل فورا ضد الأنفاق، وإن تطلب الأمر اقتحام الحدود مع القطاع، وهذا يعني زيادة فرص انفجار المواجهة. قد يكون بنات غير جاد في دعوته، وأن كل ما يعنيه هو مراكمة مكاسب سياسية، لتحسين قدرته على التنافس على قيادة اليمين، إلا أنه لا يمكن الاستهانة بتأثير مثل هذا الخطاب على بيئة صنع القرار السياسي في إسرائيل، حيث أن بنات نجح بالفعل في استدراج ليبرمان إلى التعهد بأن يستخدم الجيش الإسرائيلي كل قوة النيران التي لديه في أية حرب مقبلة ضد القطاع. مع العلم أن قوة النيران التي استخدمها الجيش الصهيوني في حرب 2014 فاقت قوة النيران التي استخدمها في كل الحروب التي خاضها ضد الدول العربية، باستثناء حرب 1973.
ثانيا: تراجع مكانة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وانحسار قوته السياسية بسبب زيادة ملفات الفساد التي يتم التحقيق معه ومع أفراد أسرته بشأنها، ما أدى، من ناحية، إلى تعزيز مكانة
قصارى القول، حتى الآن لا توجد أسباب موضوعية يمكن أن تدفع دائرة صنع القرار السياسي في تل أبيب حاليا إلى التحمس لشن حرب جديدة على القطاع. وبالتالي، يمكن أن يمتد الهدوء الحالي إلى أمد بعيد، وأطول مما يتصوره كثيرون. لكن الموضوعية تقتضي أيضا عدم تجاهل اعتبارات السياسة الداخلية في إسرائيل. وهنا تكتسب شهادة وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر، الذي قال يوما: "لا يوجد لإسرائيل سياسة خارجية، بل سياسة داخلية فقط".