كانت فرنسا أولى الدول التي دفعت مجلس الأمن الدولي وضغطت على أعضائه منتصف مارس/آذار 2011 لإصدار قرار عاجل لحماية المدنيين في ليبيا، وتحركت طائرات "رفال" الفرنسية حينها قبل صدور ذلك القرار بلحظات لتتصدى لـ"رتل الموت" من كتائب معمر القذافي، الذي كان وقتها يقترب من بنغازي. لكنها اليوم تعرقل بياناً أوروبياً لإدانة حرب خليفة حفتر على العاصمة طرابلس. أما روسيا التي عجز مندوبها الأممي عن منع القرار 1973 لحماية المدنيين وقتها، فنشطت أخيراً لتوقف قراراً أممياً يطالب حفتر بإرجاع قواته إلى قواعدها الأصلية، وكأن المدنيين ليسوا هم أنفسهم!
على مدى قرابة شهر ونصف شهر، و"أرتال الموت" كانت تتقدّم من الشرق والجنوب نحو طرابلس، تحت مرأى ومسمع من المجتمع الدولي، تثبتها الفيديوهات التي بثتها قنوات حفتر، من دون أي تحرك دولي. بل الأغرب تصريح باريس بأنها "لم تكن على علم بنوايا خليفة حفتر في الهجوم على طرابلس"، وهي التي تيقّظت لمرور رتل القذافي عام 2011 قبل أن يعلم به الليبيون أنفسهم، والأغرب تأكيدها لرئيس حكومة الوفاق فائز السراج في بيانها نفسه، أن "الضرورة الحالية في ليبيا هي حماية المدنيين".
في الجانب الآخر، لم يتخذ رئيس البعثة الأممية في ليبيا غسان سلامة، المقرّب من دوائر السياسة الفرنسية، أي إجراء حازم أو قرار مهم، على الرغم من تأكيده، في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، أن حفتر لديه بوضوح طموحات تتعلق بالسيطرة على طرابلس، ما يعني اعترافاً ضمنياً بأن استهداف المدنيين بالقذائف هو من قِبل قوات حفتر. لكن تصريحات سلامة لم تتضمن أي إدانة لحرب اللواء الليبي، والأعجب تكراره أكثر من أربع مرات في اللقاء نفسه أن حماية المدنيين من أولويات الأمم المتحدة.
لم يعد الأمر عند الليبيين يتعلق بالانحياز لقوات حكومة الوفاق أو حفتر، ولا هو يتعلق بأرواحهم، بعد أن باتوا مهددين داخل منازلهم وتتقاذفهم بيانات الطرفين، وكل واحد يحمّل الآخر مسؤولية قصفهم بصواريخ الغراد، فيما باتت مصداقية الأمم المتحدة على المحك. فهل ستقرر الأمم المتحدة ضم حفتر إلى قوائم المطلوبين لديها، بعد قراراتها السابقة التي أعلنت فيها ضم صلاح بادي وإبراهيم الجضران وغيرهما من قادة المجموعات المسلحة في ليبيا لهذه القوائم، بناء على اتهامات بتهديدهم حياة المدنيين؟