كرّت سُبحة الحملات المطلبية في لبنان بعد أسابيع قليلة على انطلاق حملة "طلعت ريحتكم"، التي تطالب بحل أزمة تراكم النفايات في محافظتي بيروت وجبل لبنان، منذ انتهاء عقد شركة "سوكلين" لمعالجة النفايات في المحافظتين، وإغلاق مطمر الناعمة، جنوبي بيروت، في 17 يوليو/ تموز الماضي. وتحوّل المشهد في ساحة الشهداء، من اعتصام شارك فيه المئات، تلبية لدعوة "طلعت ريحتكم" قبل شهر، إلى تظاهرة حاشدة قلّ مثيلها في لبنان، شارك فيها حوالي عشرات الآلاف، تلبية لنداء حملات عدة، منها حملات "بدنا نحاسب"، و"شباب ضد النظام"، و"شباب 22 آب"، و"الشعب يريد"، و"عالشارع"، و"طلعت ريحتكم".
اجتمعت كل هذه الحملات في بيروت لعدم قدرة الطبقة السياسية (مجتمعة بقوى 8 آذار و14 آذار) على الخروج من أزمة النفايات. لكن أساليب عمل كل حملة اختلفت، وتنوّعت تلك الشعارات بين العناوين السياسية العامة والكبيرة، التي تدعو لإجراء انتخابات نيابية وفق قانون جديد على أساس نسبي، ثم انتخاب رئيس للجمهورية، وبين العناوين التقنية التي رفعها أنصار "طلعت ريحتكم" لـ"إعادة سلطة معالجة النفايات إلى البلديات والمجالس المحلية في إطار لامركزية إدارية". ومع اختلاف العناوين، اختلفت أساليب العمل بين حملاتٍ يُتّهم فيها عدد من منسّقيها بالعمل وفق أجندات أجنبية، وبين حملاتٍ أُخرى يُتهم منسّقوها بالانتماء لأحزاب تحاول تخريب الحراك الشعبي. وبرز الخلاف الأول من خلال الشعارات المرفوعة.
اقرأ أيضاً سلام: هناك محاولات لاستغلال الغضب الشعبي لنشر الفوضى بلبنان
ثم طال الخلاف موقع الاعتصام نفسه، فقد شهدت ساحة رياض الصلح (وسط بيروت، بين مقرّي السراي الحكومي ومجلس النواب)، سلسلة اعتصامات مسائية، بدأت مع تحرّك "طلعت ريحتكم"، الذي استهدف اجتماع لجنة فضّ العروض الخاصة بالنفايات، قبل أن يحوّل عنف الشرطة المكان إلى موقع للاعتصامات اليومية. لكن الساحة تحمل رمزية طائفية لدى الرأي العام اللبناني، إذ قرأت شريحة واسعة من الطائفة السنية في لبنان التحركات أمام السراي، بأنها "معركة ضد الموقع السُني الأول في البلد". وفي الوقت نفسه، منع العنف الشديد والرصاص الحي الذي استخدمته عناصر الجيش اللبناني، المُكلّفة حماية مقر البرلمان (الموقع الشيعي الأول في النظام الطائفي)، المتظاهرين من دخول ساحة النجمة والاعتصام فيها. بالتالي وجد المتظاهرون أنفسهم في ساحة الشهداء يوم 29 أغسطس/ آب، في تظاهرة حاشدة بعيداً عن الطائفية والرصاص الحي.
وتم اعتقال عدد من الناشطين، بتهمة تخريب ممتلكات عامة من قبل عناصر أمنية بلباس مدني، ليبدأ اعتصام مفتوح وقطع الطريق أمام مقر وزارة الداخلية في منطقة الصنائع، بيروت، حتى إطلاق الناشطين، وهو ما تمّ بعد ساعات قليلة. ورغم كل الاختلافات، في الشكل والمضمون، تمكنت هذه الحملات من كسب مجموعة من النقاط السياسية والشعبية بوجه السلطة: إسقاط المناقصات التي أجرتها وزارة البيئة لتلزيم ملف النفايات لشركات خاصة محسوبة على أحزاب السلطة، وإزالة الجدار الذي وضعته القوى الأمنية على مدخل السراي، والنجاح في إطلاق سراح المعتقلين بضغط شبابي واعتصامات على مدار الساعة، بالإضافة إلى كسر قرار وضع عدادات بدل الوقوف على الكورنيش البحري. تبقى هذه مكاسب صغيرة وكبيرة الحجم، لكن المكسب الأهم هو في أنّ هذه الحملات تمكنّت من فتح ساحة سياسية وشعبية إضافية، يُمكن من خلالها الاستغناء عن الساحتين الطائفيتين في 8 آذار و14 آذار.
اقرأ أيضاً: لبنان يُحطّم جدار الخوف