فتح جيش النظام السوري والميليشيات المساندة له، جبهات عدة متزامنة، وهو ما دفع البعض إلى طرح سؤال حول مغزى "الحكمة العسكرية" التي تقف خلف هذا القرار، نظراً لما لذلك "التشتّت" من إنهاك للجيش المنهك أصلاً، بعد نحو عامين من المعارك اليومية المستمرة، وهو ما أدّى إلى فقدانه أكثر من 60 ألفاً بين جندي وممّا يُعرَف بـ"الشبيحة"، بأقل تقدير. ففي ظل احتدام القتال في الجبهة الشمالية، واسترجاع السجن المركزي في حلب، يوم الخميس، زحف الجيش جنوباً باتجاه حوران، ليفتح جبهات عدة في درعا، بالقرب من الحدود السورية ـ الأردنية.
ويتساءل كثيرون عمّا إذا كانت خصوصية وأهمية جنوب ومدخل العاصمة، مبعث شرارة الثورة، هي ما تبرّر لنظام الرئيس بشار الأسد توسيع حربه، مستفيداً من الصمت الدولي، ومستغلاً "الفيتو المزدوج" الروسي ـ الصيني المتكرر، ليزيد إلى حملته الانتخابية إعلاناً آخراً عن أنه سيسعى "لاستعادة السيطرة على كامل سورية".
وقد تكون أبرز دوافع النظام لفتح "معركة حوران"، التي انطلقت الجمعة، هي قطع الطريق إلى دمشق من جهة الجنوب، ومحاولة الوصول إلى البوابات الحدودية مع الأردن، كما فعل مع لبنان من جبهة القصير، وفتح محور الشيخ مسكين ـ القنيطرة، وصولاً إلى خط التماس مع الجولان المحتل، مضاف إلى ذلك الوصول لمدينة درعا لاستخدامها في الحملة الانتخابية كونها "مهد الثورة".
بدأت الحملة بمحاولة استرجاع التلال المحيطة بمدينة نوى، لكن الجيش النظامي خسر، في أول الوقائع، تل أم حوران، وعجّل الثوار في إعلان "فزعة درعا"، بعد اجتماع قيادات ألوية عدة ناهز عددها العشرين، في اتحاد قلما حدث على صعيد مقاتلي الجنوب، نظراً ليقين الثوار بخطورة سعي النظام للوصول إلى حوران، وسده ثغرة خاصرة دمشق الجنوبية، والعزف على وتر الانتصارات، تمهيداً لـ"خديعة الهدنة" التي روجت لها، اليوم، طائرات النظام أثناء المعارك والقصف، عبر رميها مناشير من شأنها النيل من عزيمة المقاتلين وحضّهم على تسليم أسلحتهم خلال ساعات انتهت مساء الجمعة، لتتم تسوية أوضاعهم، وتأليب البيئة الحاضنة عليهم.
يرى البعض في "مناورات الأسد المتأهّب"، المقررة في الأردن، العامل الأهم في موسم هجوم النظام نحو الجنوب، وزج جيشه المنهك، مستعيناً بالفرقة الرابعة المتخصصة بحماية دمشق وأركان النظام. وسرّع قصف الثوار لخيمة انتخابية مؤيدة للنظام في درعا، ومقتل 21 وجرح نحو 30، بالهجوم، ليرسل النظام رسالتين في آن: الأولى لمناصريه، في درعا خصوصاً، وبقية المناطق المؤيدة عموماً، أنه قادر على حماية ناخبيه، وعلى التوسع والسيطرة على الأرض، ولا بد من استمرار الوقوف إلى جانبه في حربه "على الإرهاب" وإفشال "المؤامرة الكونية".
أما الرسالة الأبلغ، التي يحاول إرسالها النظام إلى الخارج، فهي سيطرته على الحدود السورية ـ الأردنية قبل موعد المناورات العسكرية "الأسد المتأهب" 2014، المقرر إجراؤها في الأردن بين 25 مايو/ أيار الجاري وحتى 8 يونيو/ حزيران المقبل، والتي أعلنت تركيا مشاركتها فيها.
تبقى الاحتمالات جميعها مفتوحة، رهناً بمجريات الميدان أولاً في معارك "فزعة حوران"، ومرتبطة بمؤازرة مقاتلي المعارضة لدرعا، وعدم فتح خاصرتها النازفة من جهة السويداء، بعد تسلّل حزب الله اللبناني إلى القنيطرة، وربما التفافه ودخوله إلى جانب النظام في المعارك.
ويبقى مصير الحملة مرتبطاً بعوامل موضوعية، منها وصول الأسلحة "النوعية" الموعودة إلى الثوار لحسم المعركة بسرعة، ومدى مساهمة الميليشيات اللبنانية والعراقية في المعارك.