يتساءل المرء عن سرّ تمسّك عدد كبير من الشعراء بأنساقِ تعبيرٍ ومفردات لغوية لا مكان لها إلا في الديوان الشعري الموروث أو الذي تأسس حديثاً.
ثمة بالطبع نقد متواصل منذ أوائل القرن الماضي لمعجم الشعراء، ونقد لاستقرارهم الآمن في أنساق تعبير، تصوراً ولغةً وإحساساً، بحيث أصبحت الكلماتُ بالفعل كما يقول البنيويون وحدات لغة تحدد معانيها علاقاتها بين بعضها البعض، فلم تعد تملك مؤلفاً ولا متلقياً محدداً. ولكننا لا نجد بين أيدينا نظرية تفسّر سيطرة الخطاب الشعري (المهاد الذي تصدر عنه أنساق التعبير) على أخيلة الشعراء، أو قطيعتهم الواضحة مع الواقع المعيوش بكافة مستوياته الظاهرة والباطنة.
الآلية التي تحكم الحياة في الألفاظ (أي الصدور عن واقع لغوي مستقل) هي ذاتها بالطبع، سواء كان الخطاب صادراً عن شاعر أو خطيب أو تربوي أو سياسي أو رجل دين، أو كان صادراً عن إنسان تلقى تعليمه على يد المدرّس أو الصحافي أو مذيع الشاشة التلفازية.
هنالك ماضٍ في كل هذا ماثل في الألفاظ، أو لنقل هناك ديوان شعري (مهاد) تكرّس كنسق لغوي وحسي وتصوّري، وأصبح وسيطاً بين الانسان وعالمه الملموس، أو أصبح بديلاً بالأحرى. وهناك شخص يتمثل هذا الماضي ويعيد تكراره في حالات الفرح والكآبة، وفي مواجهة الأسئلة، ما كان منها وجودياً أو أدنى مستوى!