حياد مصري صوري في ليبيا: الأفعال تناقض الخطابات

14 يونيو 2019
يدعم السيسي حفتر سياسياً وعسكرياً (تويتر)
+ الخط -
في خطوة تؤكد اتساع الفجوة بين التحركات المصرية الفعلية على الأرض لدعم مليشيات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر ضد حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً في طرابلس، وبين ما تبديه الدبلوماسية المصرية على الصعيد الرسمي العلني من تظاهر بالمطالبة بالعودة إلى الحل السياسي، استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، أمس الخميس، رئيس مجلس نواب طبرق، عقيلة صالح، الموالي لحفتر، في قصر الاتحادية، قبل أن تعلن الرئاسة المصرية في بيان لها أن السيسي أكد لصالح ثبات موقف مصر "الذي لم ولن يتغير" في دعم ما تصفه مصر بـ"الجيش الوطني الليبي" في "حملته للقضاء على العناصر والتنظيمات الإرهابية".
جاء هذا الموقف المصري الداعم بشكل صريح لحملة مليشيات حفتر المستمرة على طرابلس بعد ساعات من مشاركة وزير الخارجية سامح شكري في اجتماع ثلاثي في العاصمة التونسية، مع نظيريه التونسي خميس الجهيناوي والجزائري صبري بوقادوم لمناقشة الأوضاع في ليبيا، انتهى بدون أي مخرجات حقيقية أو تقارب في وجهات النظر، لا سيما أن الخارجية المصرية أعربت عن موقف يتناقض بصورة شبه كاملة مع موقف القاهرة الحقيقي. كما جاء تجديد السيسي دعمه لحفتر في وقت كانت تشهد محاور القتال جنوبي العاصمة الليبية طرابلس تصعيداً لافتاً، أمس، حيث سمعت في كل أنحاء المدينة أصوات قصف بالمدفعية الثقيلة والصواريخ من جراء المواجهات المحتدمة في محاور طريق المطار ووادي الربيع وعين زاره.



وخلال الاجتماع الثلاثي، انصب حديث شكري على مسؤولية المجتمع الدولي في مواجهة انتهاكات قرارات مجلس الأمن، خصوصاً محاولات أطراف وصفها بـ"المعروفة" تقديم ما وصفه بـ"الدعم السياسي والأيديولوجي واللوجيستي من سلاح وعتاد لتنظيمات إرهابية، وتكريس فوضى المليشيات، وحرمان الشعب الليبي من السيطرة على مقدراته وموارده". كما تحدّث شكري عن ضرورة عمل دول جوار ليبيا، وفي إطار الاتحاد الأفريقي، ومع الأمم المتحدة، لدفع جهود التسوية في ليبيا الشقيقة، انطلاقاً من الاتفاق السياسي الليبي، ومبدأ الملكية الليبية للحل السياسي. كما زعم شكري أن الموقف المصري يتمحور حول ضرورة مواجهة التدخلات الخارجية المرفوضة شكلاً وموضوعاً في ليبيا، وإنهاء حالة الانسداد السياسي وتغليب الأهواء الشخصية والضيقة على المصالح الوطنية الليبية، ووجّه الدعوة إلى الأمم المتحدة لتكثيف الاتصالات مع جميع الأطراف الليبية، على حد سواء وبدون تمييز، سعياً لاستئناف المفاوضات في أقرب وقت ممكن.
وتجاهل شكري، في حديثه الذي تم توثيقه في البيان الصادر عن اللقاء وفي بيان الخارجية المصرية بشأن المشاركة، انحياز مصر الكامل لحفتر وإمداده بالدعم العسكري والاستخباراتي والمعلوماتي واللوجيستي وحتى الإعلامي، فضلاً عن الاتصالات السياسية التي تجريها مصر بدول أخرى كفرنسا والولايات المتحدة وروسيا وإيطاليا، لضمان تحسين وضع حفتر الميداني قبل أي تدخل دولي محتمل لفرض وقف إطلاق النار، وتأمين تفوّقه وسيطرته على المحاور الرئيسية المؤدية إلى العاصمة.
وهذه ليست المرة الأولى التي تحاول مصر فيها التظاهر بالحياد غير الحقيقي في الأزمة الليبية، بعد بدء حملة حفتر الأخيرة على العاصمة، حيث سبقتها دعوة السيسي إلى ضرورة تفعيل دور المبعوث الأممي غسان سلامة، وذلك في المؤتمر الأفريقي عالي المستوى بشأن ليبيا الذي انعقد في القاهرة، نهاية إبريل/نيسان الماضي.
وبحسب مصادر دبلوماسية مصرية، فإن القاهرة خلال اتصالاتها بالعواصم الأوروبية في الأيام الماضية أكدت استمرار دعمها للحملة على طرابلس، إلى حين القضاء على ما تصفها مصر وحليفاتها بـ"المليشيات الإرهابية"، مروجة لأن أي مشروع لوقف إطلاق النار بدون الأخذ في الاعتبار ضرورة "تطهير طرابلس من هذه المليشيات"، لن تعتد به مصر ولن تدعمه.
لكن موعد وقف إطلاق النار المفضل لمصر يرتبط بتحسّن وضع حفتر ميدانياً قبل العودة إلى مسار التفاوض.
وفي السياق، تكثف مصر والإمارات، في الأيام الأخيرة، من مساعدتهما لحفتر، لحسم الأوضاع حول طرابلس بنهاية شهر يونيو/حزيران الحالي، ارتباطا بتغيرات وتطورات عديدة، منها الضغوط الأوروبية على الدول المساندة لحفتر، وعلى فرنسا، لوقف إطلاق النار بأسرع وقت والعودة إلى المسار التفاوضي، وكذلك بسبب تكبّد الحكومات الداعمة لحفتر عسكرياً، وعلى رأسها الإمارات ومصر، العديد من الخسائر المالية، فضلاً عن الانعكاسات السياسية السلبية، بسبب استمرار المعارك، وعدم تحقيق نصر سريع في طرابلس كما كان يعد حفتر في بداية عمليته.

المساهمون