حيث يجد الأمان، يطوي قدميه الصغيرتين، ويبقى طويلاً. في هذه الأمكنة فقط يرتاح. على السرير بين الوالدين، وفي غرفة مليئة بألعاب وأبطال خارقين يطيرون من مكان إلى آخر، وفي فضاء يحلم بأن يكون جزءاً منه. حيث يجده، يتوقّف عن البكاء، وتهدأ عيناه اللتان كانتا تبحثان عنه. في مكانٍ لا يراه فيه أحد. وحده وكواكب تدور، وبعد أن يتعرّف إلى العالم الذي يؤويه.
حيث تجد الأمان، تطوي قدميها وتُرخي برأسها على وسادة أو بلاطة أو كتف. لا تجد شيئاً. كانت أطرافها لها، وقد تشتّتت باحثة عن ذلك المكان. البيت. الكرسي الملوّن وفوقه رفوف تحمل كتباً، حيث الغبار المعتّق، وأبطالٌ لا يعرفهم كثيرون. تحبّ الأبطال المحبوسين في قصص. أولئك الذين تحرّروا من حياتهم ليعلقوا بين أوراق وبصمات. هذه تُشبهها، وذاك الذي لطالما اختار الجلوس في الصف جنب الحائط. حيثُ يستريح رأساهما أخيراً، يجدان الأمان. هو من داخل ورقته، وهي من مكانها الآني، حيث تبحث عن الأمان.
الأمان. تلك الأماكن التي يمكننا دفن رؤوسنا فيها ونحن أحياء. والأجساد التي لم نعد نراها، والتي تختفي ونختفي. جميعنا نصير أرواحاً آمنة. كذب. لا أمان على الأرض. نحن في حاجة إليه، فنصمّم مناطق راحة من حين إلى آخر. البيت، بل تلك الغرفة منه، بل الكنبة، بل... أشخاصٌ من حولنا. ربّما قلّة. وما صنعناه في ماضٍ، أو حاضر يبتعد عنّا رويداً رويداً.
اللحظات الأولى التي توازي سعادة تصنعُ غلافاً آمناً سميكاً من حولنا. ومن لحظةٍ أولى إلى أُخرى، نبني تلك السماكة. واللحظات الأخيرة التي نتمسّك بها قبل إعلان النهاية، وقبلَ السقوط في ما كان قبل الأمان.
حيثُ الأمان، والقصص التي نتذكّرها ونعيدها لنبتسم، أو لأنّها تعيدنا إلى حيث كنّا، إلى عالم وتفاصيل بتنا نعرفها. إلى أحلامٍ خذل فيها أحدنا الآخر، وأُخرى تحقّقت. كانت أحلامنا أماننا في المستقبل. نحلم، فنرى أنفسنا في المكان الآمن الذي نريد، والذي صنعناه أوّلاً بأحاسيسنا.
الأمان... حيثُ الأمان، نريد أن نكون، نطوي أقدامنا ونرخي رؤوسنا. كلّ شيء فينا بات ثقيلاً. نمشي بصعوبة ونفتح عيوننا في العتمة فقط. الأمان، في تلك الفضاءات التي لا نعرفها، وتلك التي نعرفها. هو تلك المساحة التي نعترف بها لأنفسنا. نعترف ولا ننتهي من الاعترافات. هو في الأغنيات التي لا يُجمع عليها العالم، والأشخاص الذين تأثّرنا بهم وما زلنا، والذين لم يخشوا موتاً بحثاً عنه.
حيث الأمان، نحفر أسماءنا الأولى. وقبلَ أن تُمحى، نعيد حفرها. فالزمن أقوى منّا. "وبكرا بتشتّي الدني...".