19 نوفمبر 2016
حين تتعثّر الديمقراطية وحين تنجح
تخلصت أوروبا الشرقية من الأنظمة الشمولية التي حكمتها فور سقوط الاتحاد السوفييتي وانهيار حلف وارسو، وتحولت نحو الديمقراطية، وتبعتها دول أميركا الجنوبية، واحدة تلو أخرى، منهيةً عصر الديكتاتوريات العسكرية، ودخلت عصر الديمقراطية والتعددية السياسية والتداول السلمي على السلطة، ما أتاح لدولةٍ طالما عانت من الفقر والتخلف، مثل البرازيل، أن تصبح من الدول الصناعية والاقتصادات الناشئة، كما أصبح بينوشيه وسوموزا من الماضي، ونعم شعبا تشيلي ونيكاراغوا بالحرية، وهم اليوم يختارون قياداتهم عبر صندوق الاقتراع، بعد عقود من الاستبداد والقهر والفقر وحكم العسكر، بينما بقيت دول العالمين العربي والإسلامي عصية على التغيير، وحتى عندما حصل، ولو بالتدخل العسكري الخارجي، كما في العراق، فإن النتيجة كانت هيمنة ملالي إيران على البلد، وإدخاله في صراع طائفي أعاده عقوداً الى الخلف اقتصادياً وحضارياً وثقافياً، على الرغم مما يمتلكه من ثروات طائلة. ولا تقل تجارب أفغانستان وباكستان مأساوية، بينما بقيت تركيا الحالة الإسلامية الوحيدة المبشرة.
وفي دول الربيع العربي التي انتفضت شعوبها لإسقاط مستبديها، نجد أن مصر وليبيا دخلتا في حالة غير مطمئنة، فقد عادت مصر إلى الاستنجاد بالعسكر، بينما تسود ليبيا حالة من التشرذم والفوضى. أما حالة سورية فكارثية، حيث لم ُيسمح لشعبها بالتخلص من أكثر ديكتاتوريات العالم إجراماً ودموية، وهي غارقة الآن بين سندان داعش ومطرقة إيران ومليشيات حزب الله، وبقيت تونس الحالة الأكثر إشراقاً وتبشيراً بمستقبل أفضل لشعبها.
لماذا تونس عربياً، وتركيا إسلامياً؟، وفيهما تيار إسلام سياسي قوي، اقترب المجتمع في تونس من إنجاز تحول ديمقراطي، ونجحت تركيا فعلاً في الانتقال إلى الديمقراطية، وبدأت تحقيق تنمية مشهود لها دولياً.
لماذا تونس وليست سورية أو مصر، ولماذا تركيا وليس باكستان أو أندونيسيا؟ هناك تشابه بما يخص الحالة الاجتماعية والثقافية بين تونس وسورية، وهناك تشابه في حالة الديمقراطيات غير المستقرة، المقطوعة بانقلابات عسكرية بين حين وآخر، بين تركيا وباكستان.
قد لا يكون الجواب على هذه الأسئلة واحداً لدى من يتصدّون له، لكني سأحاول الإجابة، وربما يتبع جوابي نقاش يفتح المجال للاستفادة من الحالتين، لإيجاد حلول لأسباب التعثر التي تعاني منها الحالات الأخرى في العالمين العربي والإسلامي. أو على الأقل أتمنى ذلك، وخصوصاً بشأن الوضع الكارثي التي تعاني منه سورية، بعد أكثر من خمسة أعوام من بدء المحاولة السورية للانعتاق من الاستبداد والاستعباد.
وهنا، أرجو أن لا أكون صادماً لأحد، إذا قلت إن لكمال أتاتورك والحبيب بورقيبة الدور الأكبر
في النجاحين، النسبي للانتقال الديمقراطي في تونس، والحقيقي لذلك الانتقال في تركيا، فعلى الرغم من أن كلا الرجلين، ومنذ تأسيس الدولتين، كانا نموذجاً لحكم ديكتاتوري قائم على الاستفراد في السلطة، إلا أنهما، وبسبب تاريخهما الوطني المشرف، مؤسسين لدولتيهما، لم يُنشئا حكماً عائلياً أو طائفياً أو مناطقياً، وإنما حاولا، ولو بطريقةٍ غير ديمقراطية، ومتطرفة أحياناً، كما في الحالة الكمالية، الاستفادة من الأسباب التي أدت إلى التطور الثقافي والحضاري في الغرب، مثل فصل الدين عن الدولة، أو إنصاف المرأة والحفاظ على حقوقها كنصف المجتمع الذي لا يكتمل تحرّره إلا بتحرّرها، فاستطاع المجتمع، وفي غمرة رغبته في التخلص من الدكتاتورية وحكم الفرد، الاستفادة من إيجابيات تلك المحاولات، من خلال تطوير إسلام سياسي منفتح، وقادر على استيعاب أن الحقوق المدنية وفكرة حيادية الدولة، ومبدأ الدين لله والوطن للجميع (الفكرة التي رفضها الإخوان المسلمون في سورية، وأصروا على شطبها من مقرّرات مؤتمر المعارضة في القاهرة)، ومنها تحرّر المرأة وإنصافها، لا يتعارضان مع مبادئ الخير والعدالة اللذين شكلا لب الدعوات الدينية، وخصوصاً الإسلامية، والإسلام دين الأغلبية في هذه البلدان. وهنا، نجد الفرق الواضح في فهم الديمقراطية والعمل السياسي بين حزب العدالة والتنمية التركي ومعه حزب النهضة التونسي، وبين "إخوان" سورية ومصر، وما أنتجاه من حركات إسلامية، كانت على يمينهما في الفهم المتطرّف للدين.
ومن هنا، ستشكل محاولة إسلاميي سورية ومصر والمشرق العربي الاستفادة من هاتين التجربتين إحدى روافع الانتقال الديمقراطي في بلديهما، فلا حل لسورية الموحدة الديمقراطية إلا باقتناع هؤلاء بحيادية الدولة تجاه معتقدات مواطنيها الدينية، مع احترام حق التدين للجميع وضمانه، وأيضاً حق الدعوة السلمية إلى التديّن ومكارم الأخلاق التي دعت إليها جميع الديانات السماوية التي تشكل الأديان التي ينتمي إليها كل مواطني سورية، على أن يضمن الدستور السوري تساوي جميع المواطنين بالحقوق والواجبات، بغض النظر عن معتقداتهم الدينية، كما الحال في تركيا المحكومة من حزب إسلامي ودستور حيادي، أدّيا إلى إحداث نقلةٍ نوعيةٍ في تطورها العلمي والاقتصادي.
وفي دول الربيع العربي التي انتفضت شعوبها لإسقاط مستبديها، نجد أن مصر وليبيا دخلتا في حالة غير مطمئنة، فقد عادت مصر إلى الاستنجاد بالعسكر، بينما تسود ليبيا حالة من التشرذم والفوضى. أما حالة سورية فكارثية، حيث لم ُيسمح لشعبها بالتخلص من أكثر ديكتاتوريات العالم إجراماً ودموية، وهي غارقة الآن بين سندان داعش ومطرقة إيران ومليشيات حزب الله، وبقيت تونس الحالة الأكثر إشراقاً وتبشيراً بمستقبل أفضل لشعبها.
لماذا تونس عربياً، وتركيا إسلامياً؟، وفيهما تيار إسلام سياسي قوي، اقترب المجتمع في تونس من إنجاز تحول ديمقراطي، ونجحت تركيا فعلاً في الانتقال إلى الديمقراطية، وبدأت تحقيق تنمية مشهود لها دولياً.
لماذا تونس وليست سورية أو مصر، ولماذا تركيا وليس باكستان أو أندونيسيا؟ هناك تشابه بما يخص الحالة الاجتماعية والثقافية بين تونس وسورية، وهناك تشابه في حالة الديمقراطيات غير المستقرة، المقطوعة بانقلابات عسكرية بين حين وآخر، بين تركيا وباكستان.
قد لا يكون الجواب على هذه الأسئلة واحداً لدى من يتصدّون له، لكني سأحاول الإجابة، وربما يتبع جوابي نقاش يفتح المجال للاستفادة من الحالتين، لإيجاد حلول لأسباب التعثر التي تعاني منها الحالات الأخرى في العالمين العربي والإسلامي. أو على الأقل أتمنى ذلك، وخصوصاً بشأن الوضع الكارثي التي تعاني منه سورية، بعد أكثر من خمسة أعوام من بدء المحاولة السورية للانعتاق من الاستبداد والاستعباد.
وهنا، أرجو أن لا أكون صادماً لأحد، إذا قلت إن لكمال أتاتورك والحبيب بورقيبة الدور الأكبر
ومن هنا، ستشكل محاولة إسلاميي سورية ومصر والمشرق العربي الاستفادة من هاتين التجربتين إحدى روافع الانتقال الديمقراطي في بلديهما، فلا حل لسورية الموحدة الديمقراطية إلا باقتناع هؤلاء بحيادية الدولة تجاه معتقدات مواطنيها الدينية، مع احترام حق التدين للجميع وضمانه، وأيضاً حق الدعوة السلمية إلى التديّن ومكارم الأخلاق التي دعت إليها جميع الديانات السماوية التي تشكل الأديان التي ينتمي إليها كل مواطني سورية، على أن يضمن الدستور السوري تساوي جميع المواطنين بالحقوق والواجبات، بغض النظر عن معتقداتهم الدينية، كما الحال في تركيا المحكومة من حزب إسلامي ودستور حيادي، أدّيا إلى إحداث نقلةٍ نوعيةٍ في تطورها العلمي والاقتصادي.