01 يناير 2024
خاشقجي إيراني في إسطنبول
نقلت وكالة رويترز يوم 27 مارس/ آذار، عن مصدرين أمنيين تركيين، أن عملاء مخابرات من القنصلية الإيرانية في إسطنبول متورطون مباشرة في جريمة اغتيال المواطن والمعارض الإيراني مسعود مولوي وردنجاني، في المدينة، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. وردنجاني، خبير الأمن الإلكتروني، عمل في وزارة الدفاع الإيرانية، وقال إنه يملك معلومات ووثائق عن فساد في فيلق القدس في الحرس الثوري، وفي القيادة الإيرانية بشكل عام، وهدّد بفضح ما وصفها بالعصابة الحاكمة، ونشر بعض ما يملك، وقال إنه سينشر كل ما في حوزته إذا لم يتم اغتياله، وهو ما حصل فعلاً.
وذكرت رويترز أن الأجهزة الأمنية التركية تملك دلائل مؤكدة على مسؤولية مندوبي المخابرات الذين يعملون تحت ستار دبلوماسي في القنصلية الإيرانية عن عملية الاغتيال، وأن الحكومة التركية ستطلب أجوبة وإيضاحات من نظيرتها الإيرانية في هذا الشأن. وقد نشرت صحيفة صباح التركية، في 31 مارس/ آذار، تفاصيل إضافية عن جريمة اغتيال وردنجاني، الذي أطلقت عليه صفة خاشقجي الإيراني، وهي الصحيفة التي كانت قد نشرت تسريبات وتقارير ثبتت صحتها في ما بعد تتعلق بجريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول في أكتوبر/ تشرين الأول 2018. كما أنها صحيفة حسنة الاطلاع ومؤيدة للحكومة التركية، ووثيقة الصلة بها، وقد نقلت تفاصيل إضافية تؤكد ما نشرته "رويترز"، حيث ذكرت أن الأجهزة الأمنية التركية أجرت تحقيقاتٍ مهنيةً معمّقةً وموسعةً بشأن اغتيال وردنجاني، استمرت شهورا، استجوبت خلالها عشرات الشهود، واستمعت إلى تسجيلات لمئات المكالمات الهاتفية، وفرّغت 320 ساعة من كاميرات المراقبة المنتشرة في إسطنبول، وخلصت إلى كشف الملابسات كاملة، مشيرة إلى أن الجريمة تشبه، في بعض جوانبها، جريمة اغتيال جمال خاشقجي.
وبحسب "صباح"، فإن عميلين من المخابرات الإيرانية يعملان دبلوماسيين في القنصلية الإيرانية
في إسطنبول أشرفا على عملية الاغتيال، وأنهما جنّدا علي أسفنجاني، صديق الضحية، لينقل أخباره إليهما، ونسّقا بينه وبين قاتل محترف يدعى عبد الوهاب كوتشاك، تم استئجاره لتنفيذ الجريمة، ولافت أنه يعمل لصالح أحد تجار "بارونات" المخدرات الفارّين من وجه العدالة (شريف زندشتي)، واختبأ بعد تنفيذ الجريمة في شقة يملكها هذا الأخير، بينما عمدت المخابرات الإيرانية إلى تهريب أسفنجاني نفسه، عبر وثيقة سفر مزورة، باسم شخص آخر، صادرة عن القنصلية الإيرانية في إسطنبول، مع دليل لافت يتمثل باستخدام القاتل خط هاتف هولنديا، استخدمه شقيقه علي كوتشاك في اغتيال معارض إيراني آخر، يدعى سعيد كريمان، في إسطنبول أيضاً في إبريل/ نيسان 2007. واتفقت الصحيفة التركية بذلك مع "رويترز" لجهة أن الصورة اكتملت لدى أجهزة التحقيق المحلية، وأن الحكومة التركية ستشرك نظيرتها الإيرانية فيها، من أجل الحصول على توضيحات وردود منها، خصوصا مع تورّط رجلي مخابرات يحملان الصفة الدبلوماسية، ويعملان ضمن طاقم القنصلية الإيرانية في إسطنبول.
على الرغم من كل هذه المعطيات، وعلى الرغم من أن التحقيق استمر لأشهر، إلا أن الحكومة التركية لم تلجأ إلى الإعلام، وعمدت إلى التصرف بهدوء، ووضعت كل الاحتمالات على الطاولة، مفسحة المجال أمام النيابة العامة وأجهزة التحقيق للقيام بعملها. وواضح أننا أمام تحقيق مهني نزيه، مستند إلى شهادات وتسجيلات هاتفية وفحص لكاميرات المراقبة، وصور للقاء صديق الضحية مع القاتل، وذهابه إلى القنصلية يوم تنفيذ الجريمة، ولقائه أيضاً مع رجلي المخابرات، ثم خط تهريبه من إسطنبول إلى بلاده مروراً بأنقرة، وأخرى على الحدود التركية الإيرانية. ببساطة نحن أمام أدلة صلبة لا يمكن دحضها، مع تورّط لدبلوماسيين وتزوير وثائق. ومن هنا، أطلقت الصحافة التركية عن حق وصف خاشقجي إيراني على المعارض المغدور.
نفذت الجريمة بحرفيةٍ ودقةٍ عاليتين، ومع ذلك كُشفت ملابساتها، وكانت البصمات واضحة يصعب إخفاؤها، خصوصا مع الخبرة المثابرة والمهنية العالية للأجهزة الأمنية والقضائية التركية. أما المفاجأة (النسبية ربما) فتمثلت بالاستعانة بقاتل محترف على علاقة بتاجر مخدّرات، والتصرف بذهنية العصابة تماماً، كما جرى في جريمة اغتيال جمال خاشقجي.
وقياساً إلى التشابه بين الجريمتين، يمكن الاستنتاج أن الحكومة التركية ستعمد إلى مخاطبة
الحكومة الإيرانية وطلب تعاونها، والاحتمال الأكبر أن لا تستجيب هذه، فسيتم إصدار مذكرات توقيف بحق كل المتهمين، ومنهم الدبلوماسيون، خصوصا أننا أمام انتهاكٍ صريحٍ لمعاهدة فيينا المنظمة لقواعدة العمل الدبلوماسي بين الدول. وبعد ذلك، تصدر لائحة اتهام حسب الأصول والإجراءات المرعية، ومن ثم محاكمة المتهمين، وإصدار أحكام غيابية بحق بعضهم، مع حرص تركي على ألا تتحول القضية إلى أزمة مع إيران، خصوصا مع المواقف التركية الحكيمة المسؤولة في مقاربة العلاقة بين البلدين الجارين، على الرغم من السياسات السلبية التي تتبعها إيران، أو بالأحرى دولتها الموازية، في ملفات إقليمية مختلفة، وعلى الرغم من الحملات الإعلامية التي لا تكاد تتوقف ضد تركيا وسياستها وقادتها من الأذرع والأبواق الإعلامية الإيرانية الناطقة بالعربية وغير العربية.
عموماً، ليس متوقعا تدويل قضية وردنجاني، كما هو الحال في جريمة اغتيال خاشقجي الذي كانت لديه إقامة دائمة في أميركا، ويكتب في واحدة من كبريات الصحف في العالم، خصوصا أن الأحداث كلها حصلت على الأراضي التركية، بما فيها إقامة رجال المخابرات الإيرانية والمغدور والمتواطئ، لكن الإصرار على المضي حتى النهاية في القضية، وفق القوانين المحلية والإجراءات المتبعة، له علاقة باحترام الحكومة التركية التزاماتها الدولية ومسؤولياتها الداخلية، وردّاً على انتهاك السيادة ودفاعاً عن أمن واستقرار البلاد وسلامة مواطنيها والمقيمين على أراضيها، ولردع أي تفكيرٍ أو محاولة أخرى من إيران والسعودية أو أي دولةٍ أخرى، لتنفيذ جرائم مماثلة أو عمليات انتقامية بحق معارضيها في تركيا.
وبحسب "صباح"، فإن عميلين من المخابرات الإيرانية يعملان دبلوماسيين في القنصلية الإيرانية
على الرغم من كل هذه المعطيات، وعلى الرغم من أن التحقيق استمر لأشهر، إلا أن الحكومة التركية لم تلجأ إلى الإعلام، وعمدت إلى التصرف بهدوء، ووضعت كل الاحتمالات على الطاولة، مفسحة المجال أمام النيابة العامة وأجهزة التحقيق للقيام بعملها. وواضح أننا أمام تحقيق مهني نزيه، مستند إلى شهادات وتسجيلات هاتفية وفحص لكاميرات المراقبة، وصور للقاء صديق الضحية مع القاتل، وذهابه إلى القنصلية يوم تنفيذ الجريمة، ولقائه أيضاً مع رجلي المخابرات، ثم خط تهريبه من إسطنبول إلى بلاده مروراً بأنقرة، وأخرى على الحدود التركية الإيرانية. ببساطة نحن أمام أدلة صلبة لا يمكن دحضها، مع تورّط لدبلوماسيين وتزوير وثائق. ومن هنا، أطلقت الصحافة التركية عن حق وصف خاشقجي إيراني على المعارض المغدور.
نفذت الجريمة بحرفيةٍ ودقةٍ عاليتين، ومع ذلك كُشفت ملابساتها، وكانت البصمات واضحة يصعب إخفاؤها، خصوصا مع الخبرة المثابرة والمهنية العالية للأجهزة الأمنية والقضائية التركية. أما المفاجأة (النسبية ربما) فتمثلت بالاستعانة بقاتل محترف على علاقة بتاجر مخدّرات، والتصرف بذهنية العصابة تماماً، كما جرى في جريمة اغتيال جمال خاشقجي.
وقياساً إلى التشابه بين الجريمتين، يمكن الاستنتاج أن الحكومة التركية ستعمد إلى مخاطبة
عموماً، ليس متوقعا تدويل قضية وردنجاني، كما هو الحال في جريمة اغتيال خاشقجي الذي كانت لديه إقامة دائمة في أميركا، ويكتب في واحدة من كبريات الصحف في العالم، خصوصا أن الأحداث كلها حصلت على الأراضي التركية، بما فيها إقامة رجال المخابرات الإيرانية والمغدور والمتواطئ، لكن الإصرار على المضي حتى النهاية في القضية، وفق القوانين المحلية والإجراءات المتبعة، له علاقة باحترام الحكومة التركية التزاماتها الدولية ومسؤولياتها الداخلية، وردّاً على انتهاك السيادة ودفاعاً عن أمن واستقرار البلاد وسلامة مواطنيها والمقيمين على أراضيها، ولردع أي تفكيرٍ أو محاولة أخرى من إيران والسعودية أو أي دولةٍ أخرى، لتنفيذ جرائم مماثلة أو عمليات انتقامية بحق معارضيها في تركيا.