07 نوفمبر 2024
خالد يوسف ولعبة الابتزاز الجنسي المرِيحة
الموضوع: السلطات المصرية تفجِّر فضيحة فيديو جنس جماعي، بطلها ومنتجها المخرج خالد يوسف، والكومبارس فيها شابتان جميلتان. طبعاً، كانتا تطمحان إلى الفوز بدور في واحد من أفلام المخرج المشهور. قالت واحدةٌ منهما أمام المحقّق: "خالد يوسف معروف مش بيِدّي (لا يعطي) دورا لفنانة إلا لمّا يقيم علاقة جنسية ويصوِّرها". أما خالد يوسف، فردّ على الفضيحة بأنه إنما يتعرّض لحملة "تشويه" بسبب "مواقفه السياسية"، حيث انتقد التعديلات المرتقبة على الدستور المصري التي تؤبِّد حكم عبد الفتاح السيسي؛ والأهم من ذلك كله أنه سيأتي يوم يكتشف فيه الجميع "براءته". براءته من أي ذنب؟ ذنب معارضة السيسي أم ذنب الابتزاز الجنسي؟
الذنب الأول، سوف يعرف طريقه إلى الغفران. طريقٌ متعثر ربما، واهٍ، غامض. لكنه سوف يجده. لن نعرف تماماً ماذا سيحصل خلف الكواليس بين السلطة الحاكمة وواحد من أبناء نخبتها الفنية. ولنتذكّر فقط أن لخالد يوسف رصيدا كبيرا لدى السيسي؛ هو كاتب سيناريو "ثورة 30 يوليو" التي أطاحت "الإخوان المسلمين"، هو الذي أخرج فيلم "ثورة الثلاثين مليون مصري"، بقيادة السيسي، ينقلبون عليهم. مأثرةٌ قبضَ ثمنَها "كاش"، بأن نال مقعداً في البرلمان بصفة "نائب الأمة"؛ وذلك بعدما انتخب عبد الفتاح السيسي رئيساً للجمهورية، معتذراً لصديقه، المرشح المعارض، رفيق درب المعارضة، حمدين الصباحي... المهم أنه لن يصل إلينا الكثير بعد "مصالحةٍ" تتم بين خالد يوسف والسلطة الحاكمة. ولكن "براءة" الأخير سوف تظهر، ويعود إلى الوطن من "منفاه" الباريسي الفاخر، مجلّلا بغار المعارضة السلمية الشريفة.. إلخ.
أما الذنب الثاني فمحسومٌ أمره من اللحظة الأولى لانفجار الفضيحة. شابتان، دُمّرت حياة كل
منهما، ودُمّرت حياة من حولهما، بعدما تعرّضتا لابتزازٍ جنسيٍّ موصوف. وأغلق الملف بعد ذلك، بقدرة قادر، وسُحِب الشريط الفاضح من التداول الشَبَكي. والسبب ليس تستيراً على عرْض الشابتين، إنما لسببيَن غير مرتبطَين تماماَ: الأول أن الفضيحة - القنبلة أدّت واحدةً من وظائفها، فمرّت الموافقة البرلمانية على التعديلات الدستورية، بغطاء دخانها، من دون شوْشرة. والثاني أن فضيحةً أعظم كادت أن تطل برأسها مع تقدّم التحقيق، وقد طاولت خيوطُه "شخصياتٍ" من عالم "البزْنس" والفن. وهذه "الشخصيات" هي، كما نعلم، معصومةٌ، لا ينالها قانون.
أما الباقي، فطبيعي، لا غُبار عليه. لماذا؟ لأن المناخ في الوسط الفني القاهري هو مناخ تحرّش وابتزاز جنسي بامتياز. الشابة التي قالت كلماتها في أولى الأسطر لم تنطق من فراغ. الجميع يعلم في الوسط الفني المصري، الجميع يعمل حسابه، على أساس أن الغنيمة الجنسية حاضرة على يد من هو أعلى. ومهما كان هذا الأعلى: فهناك العالي، ثم الأعلى، ثم الأعلى. والمخرج يحتل مرتبة الشرف في هذا الهرَم المصغَّر. ومن حقه بالغنيمة الأغلى، وأحيانا أية غنيمةٍ تمرّ أمامه. وليس من الضروري أن تكون الغنيمة من الجنس الآخر، أي النساء؛ فالمطلوب أحياناً شباب طموحون وسيمون يافعون.. يسيلون لُعاب المخرج المثْلي، فيمارس عليهم الابتزاز الجنسي المعهود. الكلام عن هذا السوق ليس سرّاً، في القاهرة. تسمع عنه شهادات، وترى الأفعال أمام ناظرَيك، فتظن للوهلة الأولى أنك أمام استثناء؛ وإذا بكَ أمام حالة معمّمة، "طبيعية".
أما خالد يوسف بالذات، فهو أكثر من نظرائه "كفاءة" في حفلات الإبتزاز الجنسي هذه. محظوظٌ بمساره مع يوسف شاهين، بتحدّره من الوجاهة القروية. محظوظٌ بحبه الهائل نفسه، و"وسامته"، وحرّيته شبه المطلقة بضرب أرقام قياسية بعدد الشرائط الجنسية التي صوّرها بنفسه مع نساءٍ يرغبن بالتمثيل في أفلامه (يقال أكثر من 300 شريط). ومحظوظٌ فوق ذلك كله بأخلاقه التي تسمح له بالغرف من رصيد "اشتراكه بالثورة"، من دون حساب.
وقد بلغ به مقام إعتزازه بالتحرّش أنه أخرجَ فيلمين، "دكانة شحاتة" (2009) "حلاوة روح" (2014)، لهما سمةٌ مشتركةٌ واحدة: بطلةٌ ذات مواصفاتٍ جنسيةٍ هائلة، يسمّونها "صاروخ"، متبرّجة ومحزّقة، في وسط شعبي محروم، يتحرَّش بها الجميع، وتمتعكَ الكاميرا بهذا التحرّش. ولو كنتَ من هواة هذه الرذيلة سوف تخرج من الفيلمين بمزيد من الشجاعة والإقدام عليها.
"تأديب" خالد يوسف على يد السيسي لن يطول. الاثنان "براغماتيان"، وسوف يجدان طريقهما إلى الصُلح. أما التحرّش، أما الابتزاز، فعودة إلى العبارة العامية: "فرْفور، ذنْبو مغفور" (الفرفور هو الغلام الشاب..). ليست هذه أول مرة تخترق فيها السلطة الحاكمة عالم الفن - الإعلام، تفضح وتنشر، بواجهةٍ أخلاقيةٍ، مضمونها ابتزاز آخر، سياسي. ولا هي أول مرةٍ تكون فيها نساء هذا الوسط، والذي يدور في فلَكَه، الضحية المسحوقة مسبقاً، لهذه المناورات شبه العسكرية. ولكن، هذه أول مرةٍ تحصل فيها فضيحةٌ من هذا القبيل في زمن الانتفاضة النسائية التي اندلعت مع فضيحة هارفي وينستين، المنتج الأميركي المغتصب المتسلْسل. وهي
انتفاضةٌ لاقت رواجاً عالمياً تحت هاشتاغ "مي تو" (me too)، ورمت بطلها في السجن والتحقيق، ولحقَه عدد من نظرائه. وهي ما زالت جارية، بل بدأت تشهد فصولاً من المغالاة.
وهذه مصادفةٌ تسمح على الأقل بالمقارنة والاستنتاج. أولاً، النساء والصحافة الاستقصائية في الولايات المتحدة، أقوى من أباطرة هوليوود القدماء، وأقوى من رئيس الجمهورية الأميركي نفسه. الصحافي الذي أشعل هذه الانتفاضة، رونان فارو، ابن ميا فارو، وليس أي جهاز مخابراتي. ولحقته مباشرةً ممثلةٌ إيطاليةٌ شبه مغمورة، بإعلانها عن تعرّضها للاغتصاب على يد هارفي وينستين ذاته. وهكذا انطلق، منذ عامين، هذا الذي نعرفه الآن. والموجة، دعَمَها أهل هوليوود أنفسهم، وحملتها لم تتوقف عن الغمز في قناة الرئيس دونالد ترامب، المعروف باحتقاره النساء ومعاملتهن معاملة جنسية صرفة.
ثانيا، بالتالي، النساء في مصر هن الأضعف مرتين وثلاث مرات: مرّة بالتحرش بهن، ومرّة بتخريب كل حياتهن، بعد التحرّش بهن؛ ومرّة بفرض الصمت عليهن بشتى الطُرق. فيما الجاني يغرِّد من بعيد، في أحضان الرخاء، لا ينقصه سوى رؤية الوطن. وسوف يعود إليه مسلّما بقوة الطاغية الذي لا شريك له.. يسنده إعلامٌ لا مكان فيه إلا لمدّاحيه، فالإعلام قاعدة أساسية في هيكل هرمي، على رأسه فرعون؛ هو جزءٌ من نخبةٍ فنية و"بزنسية"، موالية له. بالتأكيد لن يكون عهد فرعون إلا "متسامحا" مع المبتزّ والمتحرّش والمغتصب، الذين تنتمي إليهم هذه النخبة.
وكأن قضية نساء مصر، وقضية حرية إعلام مصر، قد تراجعا أميالاً إلى الوراء...
الذنب الأول، سوف يعرف طريقه إلى الغفران. طريقٌ متعثر ربما، واهٍ، غامض. لكنه سوف يجده. لن نعرف تماماً ماذا سيحصل خلف الكواليس بين السلطة الحاكمة وواحد من أبناء نخبتها الفنية. ولنتذكّر فقط أن لخالد يوسف رصيدا كبيرا لدى السيسي؛ هو كاتب سيناريو "ثورة 30 يوليو" التي أطاحت "الإخوان المسلمين"، هو الذي أخرج فيلم "ثورة الثلاثين مليون مصري"، بقيادة السيسي، ينقلبون عليهم. مأثرةٌ قبضَ ثمنَها "كاش"، بأن نال مقعداً في البرلمان بصفة "نائب الأمة"؛ وذلك بعدما انتخب عبد الفتاح السيسي رئيساً للجمهورية، معتذراً لصديقه، المرشح المعارض، رفيق درب المعارضة، حمدين الصباحي... المهم أنه لن يصل إلينا الكثير بعد "مصالحةٍ" تتم بين خالد يوسف والسلطة الحاكمة. ولكن "براءة" الأخير سوف تظهر، ويعود إلى الوطن من "منفاه" الباريسي الفاخر، مجلّلا بغار المعارضة السلمية الشريفة.. إلخ.
أما الذنب الثاني فمحسومٌ أمره من اللحظة الأولى لانفجار الفضيحة. شابتان، دُمّرت حياة كل
أما الباقي، فطبيعي، لا غُبار عليه. لماذا؟ لأن المناخ في الوسط الفني القاهري هو مناخ تحرّش وابتزاز جنسي بامتياز. الشابة التي قالت كلماتها في أولى الأسطر لم تنطق من فراغ. الجميع يعلم في الوسط الفني المصري، الجميع يعمل حسابه، على أساس أن الغنيمة الجنسية حاضرة على يد من هو أعلى. ومهما كان هذا الأعلى: فهناك العالي، ثم الأعلى، ثم الأعلى. والمخرج يحتل مرتبة الشرف في هذا الهرَم المصغَّر. ومن حقه بالغنيمة الأغلى، وأحيانا أية غنيمةٍ تمرّ أمامه. وليس من الضروري أن تكون الغنيمة من الجنس الآخر، أي النساء؛ فالمطلوب أحياناً شباب طموحون وسيمون يافعون.. يسيلون لُعاب المخرج المثْلي، فيمارس عليهم الابتزاز الجنسي المعهود. الكلام عن هذا السوق ليس سرّاً، في القاهرة. تسمع عنه شهادات، وترى الأفعال أمام ناظرَيك، فتظن للوهلة الأولى أنك أمام استثناء؛ وإذا بكَ أمام حالة معمّمة، "طبيعية".
أما خالد يوسف بالذات، فهو أكثر من نظرائه "كفاءة" في حفلات الإبتزاز الجنسي هذه. محظوظٌ بمساره مع يوسف شاهين، بتحدّره من الوجاهة القروية. محظوظٌ بحبه الهائل نفسه، و"وسامته"، وحرّيته شبه المطلقة بضرب أرقام قياسية بعدد الشرائط الجنسية التي صوّرها بنفسه مع نساءٍ يرغبن بالتمثيل في أفلامه (يقال أكثر من 300 شريط). ومحظوظٌ فوق ذلك كله بأخلاقه التي تسمح له بالغرف من رصيد "اشتراكه بالثورة"، من دون حساب.
وقد بلغ به مقام إعتزازه بالتحرّش أنه أخرجَ فيلمين، "دكانة شحاتة" (2009) "حلاوة روح" (2014)، لهما سمةٌ مشتركةٌ واحدة: بطلةٌ ذات مواصفاتٍ جنسيةٍ هائلة، يسمّونها "صاروخ"، متبرّجة ومحزّقة، في وسط شعبي محروم، يتحرَّش بها الجميع، وتمتعكَ الكاميرا بهذا التحرّش. ولو كنتَ من هواة هذه الرذيلة سوف تخرج من الفيلمين بمزيد من الشجاعة والإقدام عليها.
"تأديب" خالد يوسف على يد السيسي لن يطول. الاثنان "براغماتيان"، وسوف يجدان طريقهما إلى الصُلح. أما التحرّش، أما الابتزاز، فعودة إلى العبارة العامية: "فرْفور، ذنْبو مغفور" (الفرفور هو الغلام الشاب..). ليست هذه أول مرة تخترق فيها السلطة الحاكمة عالم الفن - الإعلام، تفضح وتنشر، بواجهةٍ أخلاقيةٍ، مضمونها ابتزاز آخر، سياسي. ولا هي أول مرةٍ تكون فيها نساء هذا الوسط، والذي يدور في فلَكَه، الضحية المسحوقة مسبقاً، لهذه المناورات شبه العسكرية. ولكن، هذه أول مرةٍ تحصل فيها فضيحةٌ من هذا القبيل في زمن الانتفاضة النسائية التي اندلعت مع فضيحة هارفي وينستين، المنتج الأميركي المغتصب المتسلْسل. وهي
وهذه مصادفةٌ تسمح على الأقل بالمقارنة والاستنتاج. أولاً، النساء والصحافة الاستقصائية في الولايات المتحدة، أقوى من أباطرة هوليوود القدماء، وأقوى من رئيس الجمهورية الأميركي نفسه. الصحافي الذي أشعل هذه الانتفاضة، رونان فارو، ابن ميا فارو، وليس أي جهاز مخابراتي. ولحقته مباشرةً ممثلةٌ إيطاليةٌ شبه مغمورة، بإعلانها عن تعرّضها للاغتصاب على يد هارفي وينستين ذاته. وهكذا انطلق، منذ عامين، هذا الذي نعرفه الآن. والموجة، دعَمَها أهل هوليوود أنفسهم، وحملتها لم تتوقف عن الغمز في قناة الرئيس دونالد ترامب، المعروف باحتقاره النساء ومعاملتهن معاملة جنسية صرفة.
ثانيا، بالتالي، النساء في مصر هن الأضعف مرتين وثلاث مرات: مرّة بالتحرش بهن، ومرّة بتخريب كل حياتهن، بعد التحرّش بهن؛ ومرّة بفرض الصمت عليهن بشتى الطُرق. فيما الجاني يغرِّد من بعيد، في أحضان الرخاء، لا ينقصه سوى رؤية الوطن. وسوف يعود إليه مسلّما بقوة الطاغية الذي لا شريك له.. يسنده إعلامٌ لا مكان فيه إلا لمدّاحيه، فالإعلام قاعدة أساسية في هيكل هرمي، على رأسه فرعون؛ هو جزءٌ من نخبةٍ فنية و"بزنسية"، موالية له. بالتأكيد لن يكون عهد فرعون إلا "متسامحا" مع المبتزّ والمتحرّش والمغتصب، الذين تنتمي إليهم هذه النخبة.
وكأن قضية نساء مصر، وقضية حرية إعلام مصر، قد تراجعا أميالاً إلى الوراء...