قالت كارمين رينهارات، أستاذة الاقتصاد في جامعة هارفرد إن ترتيبات "بريتون وودز" بعد الحرب العالمية الثانية، رسخت دور الدولار الأميركي كعملة احتياطية رئيسية، وحتى سبعينيات القرن العشرين، وإن نحو ثلثي الناتج المحلي الإجمالي العالمي كان مرتكزا على الدولار، وكانت البقية مقسمة إلى حد كبير بين الجنيه الإسترليني والروبل السوفييتي.
وبحسب دراسة أعدتها الكاتبة مع خبراء اقتصاد ومال في الولايات المتحدة، وجدت أن الدولار تمكن من المحافظة على مركزه المهيمن كعملة احتياطية عالمية.
وعقب وجود بوادر لانتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، بادرت الحكومة الأميركية إلى دعوة 44 دولة للاجتماع في يوليو/تموز 1944 بمدينة بريتون وودز للاتفاق على نظام نقدي دولي جديد، بهدف تأمين الاستقرار والنمو الاقتصادي العالمي.
وبالفعل تم التوصل لاتفاقية بريتون وودز Bretton Woods Agreement Forex Markets التي تهدف لإيجاد نوع من الثبات في السياسات النقدية وأسعار الصرف بين دول العالم عبر وضع البنية التحتية، لتنقل رؤوس الأموال بين الدول كأساس لتسهيل التجارة العالمية.
وبعدها، خرجت مؤسسات مالية دولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والأمم المتحدة والاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة "الغات" لتدعم التوجه العام السياسي والاقتصادي للاتفاقية.
وتشير مقاييس عديدة دور الدولار كعملة مهيمنة على الاقتصاد العالمي، منها نسبة التجارة التي تحرر فواتيرها بالدولار والحصة من الأصول الأميركية (وأبرزها سندات الخزانة) في احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنوك المركزية، وغيرها.
وتقول الكاتبة في ورقة بحثية بعنوان "عالم مدمن على الدولار" نشرت على موقع project syndicate، إنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، انخفضت حصة الولايات المتحدة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي من نحو 30% إلى ما يقرب من 18%، كما شهدت اقتصادات متقدمة أخرى تراجعا مستمرا في حجم شرائحها في الكعكة العالمية، لكن لا أحد يستطيع أن يدرك هذا بمجرد النظر إلى النظام النقدي الدولي.
وخلال نفس الفترة، تضاعفت حصة الصين في الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى أربعة أمثالها تقريبا، إلى نحو 16%، والآن تمثل الأسواق الناشئة نحو 60% من الناتج العالمي، ارتفاعا من نحو 40% في سنوات ما بعد الحرب مباشرة. ولأن آفاق نمو الاقتصادات المتقدمة تظل خافتة، فمن المرجح أن تستمر هذه الاتجاهات، حتى على الرغم من التباطؤ في الصين وغيرها من الأسواق الناشئة بشكل واضح. ورغم هذه المؤشرات إلا أن الدولار لايزال المهيمن الرئيسي على العملات.
وتقول "يأتي اليورو ثانياً بفارق كبير، فمنذ أوائل ثمانينيات القرن العشرين وحتى استحداث اليورو في عام 1999، امتد تأثير المارك الألماني أولا إلى أوروبا الغربية ثم لاحقا إلى أوروبا الشرقية. لكن يبدو أن صعود اليورو الذي وحد مناطق المارك الألماني والفرنك الفرنسي، تراجعت أهميته العالمية وفقا لبعض المقاييس، وأيضاً لا تتنافس أي عملة دولية رئيسية راسخة أخرى حالياً على الزعامة العالمية، وفق الكاتبة.
وتضيف "بمرور الوقت، تسبب إشباع الطلب العالمي على الاحتياطيات في ارتفاع مضطرد في نسبة الاحتياطيات من "الدولار الورقي" إلى الاحتياطيات من الذهب، ولم يكن هذا متوافقا مع الحفاظ على التكافؤ الرسمي بين الدولار والذهب، كما لم يكن خفض القيمة نسبة إلى الدولار مرتين، في ديسمبر/كانون الأول 1971 ثم في فبراير/شباط 1973 كافيا لتصحيح "المغالاة في تقييم" الدولار الأميركي. ثم انتهى نظام بريتون وودز في مارس/آذار 1973، عندما سُمِح بتعويم الدولار وعملات أخرى رئيسية وانخفضت قيمة الدولار إلى مستويات أدنى.
واليوم، وبحسب الكاتبة، عادت الولايات المتحدة إلى إشباع شهية بقية العالم للدولار بإصدار المزيد من الديون الدولارية، ولايزال العالم يستخدم العملة الخضراء، ويربط عملاته بها في الأسواق العالمية، نتيجة الثقة الراسخة منذ عقود.