وأعلن ياغي أن الولايات المتحدة دخلت في وساطة مع الجانبين الإسرائيلي والقبرصي لإعادة ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، إلا أن الجانب الإسرائيلي قام بضغوطات هائلة ما أدى إلى انسحاب الجانب الأميركي من الوساطة.
وتحدث ياغي، في حواره مع "العربي الجديد "عن حملات إسرائيلية واسعة للضغط على شركات النفط العالمية للامتناع عن استكشاف الغاز اللبناني.
وهذا نص حوار "العربي الجديد" مع الخبير النفطي ومستشار رئيس البرلمان اللبناني لشؤون الطاقة، ربيع ياغي:
لماذا تأخرت عملية مسح الغاز الطبيعي في منطقة البحر المتوسط، ومنها لبنان؟
بدأ الحديث عن النفط في المنطقة منذ سنوات طويلة، إلا أنه تبين أن الكميات المكتشفة غير مجدية، وغير مغرية للشركات في بلد مثل لبنان، كون تلك الشركات كانت تبحث عن النفط غير الموجود في عمق الأرض، كي لا ترتفع تكاليف التنقيب.
ولكن مع بدايات العام 2000 زاد الاهتمام بالغاز الطبيعي في حوض البحر الأبيض المتوسط، كون الغاز طاقة نظيفة وبديلة عن النفط، وهكذا بدأت عمليات المسح الجيولوجي في لبنان والدول الموجودة على حوض البحر المتوسط.
وقد قدرت جمعية الجيولوجيين الدوليين كمية الغاز الموجودة في حوض المتوسط بحوالى 122 تريليون قدم مكعبة، وهذه الكميات موجودة في المناطق الاقتصادية الخالصة التابعة لقطاع غزة، ومناطق فلسطين المحتلة، لبنان، سورية وقبرص.
وبذلك، يمكن القول إن العمل الجدي لاستكشاف الغاز الطبيعي في المنطقة الشرقية لحوض البحر المتوسط بدأت فعلياً منذ العام 2000.
كيف تؤثر إسرائيل على استكشافات الغاز، وكم سبقت لبنان في المسوحات وعمليات استكشاف الغاز؟
لقد كانت أولى المسوحات في قطاع غزة في العام 2001، إلا أنه تبين أن ما اكتُشف من الغاز ليس بكميات تجارية ضخمة، لكن الكميات طبعاً يمكن أن تساعد القطاع، وتؤمن له الكهرباء لـ 80 سنة مقبلة، كونها كانت بحجم أربعة تريليونات قدم مكعبة.
إلا أن عمليات المسح توقفت في العام 2006، نتيجة الضغوط الإسرائيلية على الشركة التي كانت تقوم بعمليات المسح (بريتيش غاز)، وذلك تحت غطاء الخلاف التجاري.
كما أن جزءاً كبيراً من قرار محاصرة غزة بحرياً يعود إلى منع حصول أي عمليات استكشاف في بحرها.
وبعد ذلك، باشر الاحتلال عمليات المسح في مياه فلسطين المحتلة، وكذلك قام لبنان وقبرص بالمسح الجيولوجي في العام نفسه.
وقد تبين في لبنان أن نتائج المسوحات كانت إيجابية، بحيث أكدت الشركات البريطانية والنرويجية في العام 2005 أن الكميات المتوافرة في لبنان مشجعة للشركات النفطية العالمية. وتداعت الشركات للتعبير عن اهتمامها في الخوض في عمليات الاستكشاف عبر توقيع عقود طويلة الأمد. إلا أن خلافات كثيرة تعوق تقدم لبنان في هذا المجال.
والأكيد، أن إسرائيل سبقت لبنان بعشر سنوات، وكذلك قبرص سبقت لبنان بسبع سنوات.
ما هي هذه الخلافات التي تمنع لبنان من الوصول إلى ثروة قد تساهم في حل غالبية مشكلاته الاقتصادية والاجتماعية؟
حقيقة، سرنا في لبنان بخطوات سريعة في الناحية القانونية، بحيث أُقر قانون النفط ومراسيمه التنفيذية، إضافة إلى تشكيل الهيئة الناظمة لقطاع النفط. إلا أنه تبقّى مرسومان يجب إقرارهما من قبل الحكومة اللبنانية، وهما يتعلقان مباشرة بعملية الاستكشاف وتشجيع الشركات على ذلك.
فالمرسوم الأول يحدد ترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان في حوض البحر المتوسط، والمرسوم الثاني يتعلق بالعقود مع الشركات التي ستتقدم إلى استدراج العروض.
وبالتالي فإن الشركات لن تأتي إلى لبنان وتستثمر مليارات الدولارات في بلد لم يقدم لها التقارير الرسمية التي تضمن استثماراتها وتحمي حقوقها.
ويوجد تقصير سياسي كبير وبيروقراطية فيما يتعلق باستكشافات الغاز، في حين يجب أن يتوافر الغطاء السياسي الكامل للبدء بعمليات استكشاف الغاز، كون هذه القضية من المفترض أن تكون جامعة لكل اللبنانيين ونقطة توحّد ولا تفرِق فيما بينهم.
كيف يمكن الخروج من نفق هذه العقبات التي تواجه استكشاف الغاز في لبنان؟
نحتاج أولاً إلى اتفاق سياسي كامل على هذا الموضوع، وأن يقرر لبنان تحمل مسؤولياته تجاه الأجيال المقبلة، فالغاز الطبيعي ليس ثروة لطائفة أو منطقة أو وزير، وإنما ثروة لبنانية تخص حاضر لبنان ومستقبله.
إلا أنه للأسف، يوجد في لبنان طريقة قبلية في التعاطي مع هذا الملف، ويوجد عناد سياسي بين الأفرقاء لا يتلاءم مع موضوع دقيق وعلمي واقتصادي يهم كل اللبنانيين، كموضوع الغاز الطبيعي.
هل لا تزال الشركات مهتمة بلبنان بعد تأجيل عملية استدراج العروض أربع مرات متتالية؟
يوجد 56 شركة مهتمة، وقد زارت لبنان أكثر من مرة، وكلها من كبريات الشركات في العالم وكلها كانت مهتمة. إلا أن قسماً من هذه الشركات تلكأ حالياً بسبب التأجيل في المباشرة باستدراج العروض، إضافة إلى عدم إقرار الحكومة للمرسومين الشهيرين.
كما أن عدم اعتماد ترسيم نهائي للمنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للبنان، لا يشجع أي شركة على التقدم للقيام باستكشاف الغاز في منطقة لا تزال محور نزاع.
ما هو نوع النزاع القائم على الغاز اللبناني؟ ومع من هذا النزاع؟
تبلغ مساحة المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان حوالى 22 ألف كيلومتر مربع. وهذه المنطقة تحيطها كل من قبرص وسورية وفلسطين المحتلة. ولكي يتم تحديد الحدود البحرية، يُستَند إلى قانون صادر عن الأمم المتحدة يتعلق بآليات التفاوض بين الدول لاقتسام الثروات الطبيعية المشتركة.
في العام 2007، وقِّع اتفاق أولي مع قبرص حول تحديد الحدود البحرية معها. إلا أن الوفد اللبناني الذي ذهب للتفاوض كان يفتقد الخبرة والكفاءة في هذا المجال، وبالتالي رُسِّمت الحدود بشكل يهضم حق لبنان.
وهذا الاتفاق لم يأخذ مجراه القانوني في لبنان، ولم يصدر في الجريدة الرسمية، إلا أن قبرص اعتمدته برغم معارضة لبنان، ورسّمت على أساسه الحدود مع الجانب الإسرائيلي لتوقع اتفاقاً معه.
هكذا، قامت قبرص بالاستحواذ على حوالى ألفي متر مربع من الغرب، وسرقت إسرائيل حوالى 860 كيلو متراً مربعاً من المساحة الداخلة ضمن الحدود البحرية اللبنانية في الجنوب.
إلا أن لبنان اعترض، ولا يزال معترضا على هذا الاتفاق، ولا يزال يطالب باسترداد ما أُخذ من مناطق بحرية تابعة له.
كيف تتأثر الشركات النفطية العالمية بهذا الصراع، وتتردد في الاستثمار في لبنان؟
لا يمكن أن تباشر أي شركة نفطية عملها إذا كانت الحدود البحرية غير معلنة ولا موثقة.
وتعتبر المنطقة الجنوبية واعدة جداً بحسب المسوحات، إلا أن إسرائيل تحاول قرصنتها عبر الحملات الدبلوماسية والإعلامية والتهويلية، بحيث تعتبر أن هذه المنطقة تدخل ضمن حدودها البحرية، في حين أنها عملياً تابعة للسيادة اللبنانية.
هذا الواقع أدى إلى إحجام الشركات عن التقدم لإبداء رغبتها في الاستثمار في هذه المنطقة. علماً أن إسرائيل تمارس ضغوطات هائلة على المنظمات الدولية والشركات لعدم الاستثمار في جنوب لبنان.
هل وصلت القضية إلى الأمم المتحدة؟ وكيف يمكن الخروج من هذا المأزق؟
الأمم المتحدة لا تتدخل في هذه القضايا، كونها لا تدخل ضمن صلاحياتها، وقد أبلغت الجانب اللبناني بهذا الموضوع، بعدما طلب منها التدخل لترسيم الحدود البحرية، كما فعلت فيما يتعلق بالحدود البرية مع فلسطين المحتلة.
وصلتنا معلومات عن وساطات حصلت في هذا الإطار ولم تصل إلى نتيجة، فما قصة هذه الوساطات ومن قام بها؟
بدأت الولايات المتحدة بوساطة سرية منذ سنتين، إلا أنه خلال الأشهر الماضية انسحبت من الوساطة. أما السبب فيعود إلى العناد الإسرائيلي المتواطىء مع قبرص، فيما يتعلق بالحدود البحرية. إذ برغم علاقاتنا الجيدة مع قبرص إلا أنه في هذا الموضوع، فإن سلوكها لا يعبّر عن صداقة مع لبنان.
ما الحل إذاً، وكيف يمكن أن يتم ترسيم الحدود البحرية وسط عدم وجود وساطات أو صداقات؟
يجب على الحكومة اللبنانية أن تستمر في محاولاتها التفاوضية مع قبرص، كون الأخيرة خدعت لبنان عبر استخدام اتفاقية قبل إقرارها رسمياً في لبنان، وقامت على أساسها بتوقيع اتفاقات مع الجانب الإسرائيلي. إذ إن قبرص تعتبر أن لبنان وافق على الاتفاق الذي حصل معها، وتعتبر أنه ليس من صالحها إعادة التفاوض.
كيف يؤثر التأخير الحاصل على ثروة الغاز في لبنان؟
هي ثروة موجودة لدينا، ولن تنضب، مادمنا لم نقم باستغلالها. إلا أنه في ظل الوضع السياسي المحلي السيئ والوضع الأمني المتدهور، وفي ظل الإشكالات على الحدود البحرية، فإن ذلك سيؤدي إلى تردد الشركات في وضع استثماراتها في الغاز اللبناني. خاصة أن كلفة حفر بئر واحدة في البحر تصل إلى 150 مليون دولار في حين لا تتعدى الكلفة عشرة ملايين دولار في البر. وبالتالي فإن الاستثمارات ستكون ضخمة جداً، ولن تخاطر الشركات بهذه الأموال في ظل بيئة غير مؤاتية للاستثمار.
وبالتالي، عامل الوقت ليس في والتأخير يضر بمصالحنا وسمعتنا. كما أن إسرائيل وقبرص ستباشران عملية الاستخراج، وسيكون هنالك منافسة مع لبنان في الأسواق العالمية، إذ إن التباطؤ اللبناني سيؤدي إلى خسارة بلدنا حصته التصديرية إلى السوق العالمية.