يتخرج الفلسطينيون في لبنان، مثل غيرهم من الطلاب في أيّ مكان في العالم، لكنّهم ليسوا مثلهم في حق العمل الممنوعين منه
في المرحلة الجامعية، لا يختلف الطلاب الفلسطينيون عن بقية الطلاب في لبنان، إذ يدرسون ويجتهدون ويدفعون الرسوم الدراسية، سواء في الجامعة الرسمية أو الجامعات الخاصة، لكنّ أحوالهم بعد التخرج تختلف، إذ يذهب كلّ ما درسوه وتخصصوا فيه هباء منثوراً، عندما تقفل أبواب العمل في وجوههم، بموجب القوانين اللبنانية التي تمنع الفلسطيني من ممارسة عشرات المهن، معظمها من المهن الأساسية.
محمد أحمد الناطور (28 عاماً) من بلدة السميرية، قضاء عكا، ولد لاجئاً في مخيم عين الحلوة، في صيدا، جنوب لبنان. مات والده عندما كان الشاب في الثالثة عشرة، فتكبدت والدته تربيته مع أشقائه الأربعة، من خلال ما تقدمه لهم بعض المؤسسات الاجتماعية. يقول الناطور "تكفلتنا بعض المؤسسات، حتى كبرنا، واشتد عودنا، وكذلك ساهم أخوالي في تكفلنا. تخرجت من الجامعة قبل سنتين، في اختصاص الرياضيات، وكذلك تخرج أخي قبلي بعام واحد، في الاختصاص نفسه. تعلمت في فرع جامعة خاصة في صيدا. كنت أشح على نفسي، ونحاول التوفير من مصروفنا المنزلي لنتمكن من دفع الأقساط الجامعية، وكلّي أمل في أن أجد عملاً بعد تخرجي مباشرة، وأخفف عن أمي تعب السنين التي مرت".
محمد الناطور (العربي الجديد) |
يتابع: "لكنّي بعد تخرجي فوجئت بعدم استطاعتي العثور على أيّ عمل، مع العلم أنّ اختصاص الرياضيات مطلوب في المدارس عادة، لكن، لأنّي فلسطيني، فحظوظي في إيجاد عمل في مجال التعليم في المدارس الخاصة اللبنانية ضئيلة جداً. تقدمت بطلبات عديدة إلى المدارس في صيدا، وخارجها، لكن لا مدرسة اتصلت بي. في بعض المدارس عرفت من خلال شروط الطلب أنّ الراتب لن يتجاوز 500 ألف ليرة لبنانية (333 دولاراً أميركياً) مع ثلاثة أشهر تجريبية، من دون راتب، فلم أتقدم إليها".
يضيف: "معظم زملائي الفلسطينيين في الجامعة عاطلون من العمل، ومن يعمل منهم فهو يعمل إما في البناء، أو في بيع الخضار، أو في أي مهنة أخرى بعيداً عن اختصاصه". يتابع: "صارت لديّ قناعة أنّ على تلميذ الثانوية أن ينزل إلى سوق العمل في العطلة الصيفية، ويتعلم مهنة مهما كانت، حتى لا يكون عاطلاً من العمل لاحقاً بعد تخرجه". ويقول: "في السابق كانت وكالة الأونروا تقدم لنا فرص عمل، بالحد الأدنى، لكن بعد الأزمة التمويلية التي تمرّ بها، قلصت من الوظائف، وقد تقدمت منذ عامين، أي منذ تخرجي، بطلب للعمل في إحدى مدارسها، ولم أتلقَّ أيّ ردّ على طلبي".
آمنة الأسدي (العربي الجديد) |
آمنة الأسدي (26 عاماً) تعيش في مخيم عين الحلوة، وهي من بلدة صفورية بفلسطين، خريجة هندسة اتصالات، عملت في إحدى الجمعيات التي تهتم بالأشخاص ذوي الإعاقة، لكنّ الراتب كان ضئيلاً، والعمل كان متعباً، فغادرته. تقول آمنة: "بعد تخرجي من معهد سبلين للتدريب المهني التابع للأونروا، في هندسة الاتصالات، بحثت عن عمل، لكنّي لم أجد، والحاجز الأكبر هو كوني فلسطينية. تقدمت بطلبات داخل مدينة صيدا، كي لا أبتعد عن إقامتي، لكن من دون أيّ نتيجة". تعلق: "نحن لا نطلب المستحيل في هذا البلد الذي ولدنا فيه، بل مجرد حقوق أساسية وفرص عمل ومعاملة إنسانية، ونرفض التمييز الذي نعامل به في كلّ المجالات، لا سيما في فرص العمل".
أحمد أمين الأسدي، يبلغ من العمر واحداً وعشرين عاماً، تخرج العام الماضي من إحدى الجامعات اللبنانية الخاصة، ولم يدفع بقية الأقساط المترتبة عليه، لأنّ وضع عائلته المعيشي لا يساعد في ذلك، خصوصاً بعد إحالة والده الذي كان موظفًا في الأونروا إلى التقاعد. وهو بذلك لم يستطع الحصول على شهادة الجامعة بالرغم من تخرجه.
أحمد الأسدي (العربي الجديد) |
يعيش الشاب، وهو من صفورية في الأساس، في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، وقد تخصص في إدارة الفنادق والسياحة والسفر. يقول: "منذ تخرجي حتى اللحظة، وأنا أبحث عن عمل، حتى إنّي حاولت تقديم طلبات عبر الإنترنت، وفي بعض المرات كنت أفاجأ بعدم وجود فلسطين في الخيارات المتاحة للجنسية في تلك الطلبات الإلكترونية". يضيف: "تقدمت بطلبات في لبنان، وخارج لبنان، لكن لا جواب جاءني غير واحد من شركات طيران الشرق الأوسط (الناقل الرسمي اللبناني)، فقد كنت قد تقدمت بطلبي للعمل بصفة متدرب، وكانت الأمور تجري بشكل جيد، لكن عندما علمت الموظفة أنّ جنسيتي فلسطينية، اعتذرت مني وأوقفت طلبي".
يتابع: "فكرت في العمل في سوق الخضار في المخيم، لكنّ الأوضاع الاقتصادية هناك لا تشجع، بالرغم من أنّي أعلم أنّي في نهاية المطاف سأترك اختصاصي جانباً وأعمل في أيّ مهنة".