يوم الثلاثاء الماضي قام الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي بزيارة للإمارات، استمرت ساعات عدة وانتهت من دون الإعلان عن نتائج محددة للقائه مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، بعد تصاعد وتيرة الخلاف بين الرجلين خلال الأشهر الأخيرة لدرجة وصلت إلى تقديم شكوى يمنية رسمية إلى مجلس الأمن الدولي ضد ممارسات الإمارات في جزيرة سقطرى.
وبدا أن الزيارة التي سبقها لقاء تمهيدي بين وزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد وهادي في مكة السعودية، مساء الاثنين، جاءت بوساطة سعودية لتصفية الأجواء بين الرجلين تمهيداً لمعركة الحديدة التي تبنتها الإمارات مباشرة، وسعت باستمرار إلى الحصول على الضوء الأخضر الأميركي لخوضها، لكن خبراء أميركيين قالوا إن "واشنطن منحت أبوظبي الضوء الأصفر فقط"، أي موافقة تدريجية ومشروطة أقرب إلى غض الطرف منها للرفض.
وعلى الرغم من عدم حصول التحالف والإمارات تحديداً على موافقة صريحة من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على معركة الحديدة، كانت الإمارات قد منحت المبعوث الأممي مارتن غريفيث، الذي يسعى لاستئناف محادثات السلام بين أطراف الصراع في اليمن، 48 ساعة لإقناع الحوثيين بالانسحاب من الحديدة من دون قتال. وانتهت تلك المهلة من دون نتيجة بالتزامن مع زيارة هادي للإمارات، التي سبقتها بيوم واحد زيارة المبعوث الأممي لها، وعقد مجلس الأمن جلسة مغلقة لمناقشة التطورات العسكرية في اليمن لم تخرج بنتائج واضحة، لكن عدم إعلان موقف علني رافض لاقتحام الإمارات والقوات اليمنية الموالية لهادي للحديدة، عنى ضمنياً ترك الموقف لتقدير أبوظبي. مع العلم أنه كان متوقعاً أن تعلن موسكو موقفاً مختلفاً باعتبارها رئيساً دورياً لمجلس الأمن، وكونها حليفاً لإيران في ملفات الإقليم المشتعلة أيضاً، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث حتى الآن، فالتصريحات المحذّرة من الكلفة الإنسانية غالباً ذات دوافع دبلوماسية لعدم رغبة الغرب عموماً بتحمّل التبعات الأخلاقية للمعركة، ورغبته بالحفاظ على مصالحه مع دول النفط الخليجي من جهة أخرى.
وقد سبقت زيارة هادي للإمارات زيارة أخرى لوزير داخليته أحمد الميسري الناقد القوي لدور الإمارات الأخير في اليمن، إذ زار أبوظبي أياماً عدة، وخرج للحديث عن تنسيق عتيد بين الحكومة اليمنية والإمارات لاحتواء خلافاتهما، والتفرغ لمواجهة الخصوم المشتركين. ما عكس عمل الطرفين على تسوية خلافاتهما التي أثّرت كثيراً على موقف التحالف وأضعفت شرعية هادي أيضاً.
وكانت آخر زيارة لهادي إلى الإمارات العام الماضي قد خرجت بانطباعات سلبية، عندما تم التعامل معه دون مستوى البروتوكول المعهود كرئيس دولة، ما صعّد من توتر علاقاتهما، وسعي بن زايد للتنسيق مع حزب الإصلاح الإسلامي لمواجهة الحوثيين بعد قتلهم لحليفهم السابق علي عبدالله صالح من دون المرور عبر هادي. وبفعل موقف بن زايد منه، لم يستطع هادي زيارة عدن منذ فبراير/ شباط 2017، وهو المصير الذي بدا أن هادي عمل على تجنبه في ما يتعلق بالحديدة مستقبلاً.
وتواجه الإمارات اعتراضات دولية قوية على معركة الحديدة المرتقبة، خصوصاً من قبل المنظمات الدولية العاملة في الإغاثة والمساعدات الإنسانية، نظراً لأنها تمثل منفذاً لدخول أكثر من 70 في المائة من احتياجات اليمنيين الغذائية، ولأن الحوثيين لن ينسحبوا منها دون معارك قد تعرّض حياة مئات الآلاف من المدنيين للخطر، وتضاعف الأزمة الإنسانية في اليمن التي تشهد أسوأ أزمة إنسانية على مستوى العالم، حسب التقارير الأممية، ولهذا فهي بحاجة قوية لدعم مباشر وصلب من هادي، لأن أي اعتراض منه على معركة الحديدة يفقد الإمارات شرعية خوضها بشكل كامل.
من جهة أخرى، يتمتع هادي بولاء "ألوية العمالقة" المشكلة من مقاتلين سلفيين أغلبهم من محافظات جنوبية، وأيضاً قوات "المقاومة التهامية"، وهؤلاء هم الذين يقومون باقتحام المناطق في الساحل الغربي ودحر الحوثيين منها لتصفية الطريق إلى الحديدة، بينما تتولى قوات "المقاومة الوطنية"، بقيادة طارق صالح الموالي للإمارات، تأمين هذه المناطق والسيطرة عليها بعد استلامها من ألوية العمالقة، إلا أن طارق لم يعلن انضمامه لشرعية هادي رسميا حتى الآن. وهذا يضيف نقطة قوية إلى نقاط الخلاف بين هادي وبن زايد، وتثير مخاوف الأول من احتمال قيام طارق وقواته بدور شبيه بدور قوات الحزام الأمني والمجلس الانتقالي الجنوبي المناهض لهادي في عدن، لكن هادي هنا يمتلك نقطة قوة بالمقابل تتمثل في وجود قوات موالية له على الأرض.
تنفق الإمارات قرابة 1.3 مليار دولار على تدخلها في اليمن شهرياً (16 مليار دولار سنوياً)، منذ انضمام الإمارات إلى تحالف عسكري تقوده السعودية في اليمن (مارس/ آذار 2015)، بهدف معلن تمثل في استعادة شرعية هادي من يد الحوثيين، وإعادته إلى السلطة بصنعاء بعد انقلاب الحوثيين عليه ووضعه تحت الإقامة الجبرية، ثم قصف مقر إقامته بعد فراره إلى عدن، لكن اللافت أن الإمارات خلال هذه الفترة بنت تشكيلات عسكرية عدة في الجنوب مناهضة لهادي وحكومته، أي أن أبوظبي عملياً تصرفت ضد أهداف التحالف المعلنة.
عام 2010 احتلت اليمن الترتيب الثاني في قائمة مصادر التهديد للأمن القومي للإمارات بعد إيران، وكانت أفغانستان هي التهديد الثاني قبلها، ثم تراجعت إلى الترتيب الثالث بعد اليمن. وهذا يبرر جزئياً التدخل الإماراتي عسكرياً في البلدين. فقد سبق تدخلها في اليمن تدخلها في أفغانستان بالتعاون مع أميركا، ومثّلت هذه التدخلات فرصة تدريبية ميدانية لقواتها التي لم تخض اختباراً عملياً من قبل بشكل مباشر، كما أدت إلى تمتين علاقتها بواشنطن التي أثنت على دور الإمارات في أفغانستان وتطور قدرات مقاتليها بشكل متكرر، لكن استحواذ الإمارات على سواحل وموانئ وجزر اليمن خلقت فهماً مختلفاً لهدفها من التدخل في اليمن متعلق بالهيمنة على المناطق المطلة على الممرات الدولية لحماية مصالحها التجارية. كما سبق لها العمل في الشاطئ الغربي للبحر الأحمر في إريتريا والصومال وجيبوتي.
خسرت الإمارات في تدخلاتها العسكرية خارج حدودها منذ عام 2015 قرابة 111 فرداً من قواتها العسكرية أغلبهم في اليمن، وفقاً لورقة بحثية أصدرها مركز "إيماسك" للدراسات أخيراً. وتمتلك الإمارات، حسب الدراسة، 3 أنواع من القوات في اليمن، النوع الأول قوامه 1500 جندي وضابط من الجيش الإماراتي يقومون غالباً بمهام تدريبية، أما القوة الثانية فتتشكل من مجندين يمنيين يتلقون التدريب والتمويل والتسليح والأوامر أيضاً من الإمارات، ولا يخضعون لإشراف قيادة الجيش اليمني، والقوة الثالثة تتكوّن من مجندين من المرتزقة الدوليين بعدد تقريبي (1800 مجند/ مرتزق) من كولومبيا وبنما وسلفادور وتشيلي وإريتريا، ويتبعون هيكلياً لقوة حرس الرئاسة الإماراتية. وذكرت دورية "إنتليجينس" الاستخباراتية هذا الأسبوع، أن "الإمارات استأجرت ضباطاً أميركيين سابقين حاربوا في العراق وأفغانستان لتحسين أداء قواتها في اليمن، ما يعني نفقات إضافية تضم إلى خسائرها هناك".
أما القوات اليمنية الموالية للإمارات فتتوزع على ألوية عدة يبلغ قوامها حوالي 35 ألف مجند، منهم 14 ألفاً يشكلون قوات الحزام الأمني لعدن وأبين، و11 ألف مجند قوام ألوية النخبة الحضرمية، و3000 مجند للنخبة الشبوانية، و4000 مجند مقسومون بالتساوي على النخبتين المهرية والسقطرية.
الأجور المرتفعة التي تدفعها الإمارات للمجندين متعددي الجنسيات، وتدريب وتسليح قوات يمنية كبيرة، والطلعات الجوية المكثفة، ومنصات الدفاعات الصاروخية (باتريوت)، تجعل كلفة الحرب في اليمن مرتفعة للغاية، وتنعكس سلباً على الاقتصاد الإماراتي، إذ يبلغ المتوسط الشهري لإنفاق الإمارات على تدخلها العسكري في اليمن قرابة 1.3 مليار دولار، يشمل التدخل البري والجوي، حيث تشترك 30 مقاتلة إماراتية في القصف على اليمن منذ مارس 2015، مع تدخل بوارج بحرية متعددة في الشواطئ الغربية لليمن تحديداً.
وذكرت دراسة "إيماسك" أيضاً أن "هذه النفقات لا تمر عبر مجلس الحكم الاتحادي، وأنها تسببت برفع الضرائب والرسوم على الخدمات في الإمارات على المواطنين والمقيمين، بشكل قد يؤدي إلى تراجع الاستثمارات الخارجية في الإمارات، وارتفاع تكاليف المعيشة لمواطني الدولة، فالإمارات لجأت إلى الصندوق السيادي للدولة لتغطية نفقاتها في اليمن وسدّ عجز الموازنة فتراجعت أصول الصندوق قرابة 30 مليار دولار نهاية عام 2015، كما أنها خفضت حيازتها من سندات الخزانة الأميركية من 200 مليار دولار إلى 66 مليار دولار فقط منتصف عام 2007".
ورأت الدراسة أن "أبوظبي دخلت حرب اليمن من دون تقديرات واضحة لحدود تدخلها، فالسعودية ذاتها كقائد للتحالف لم تتدخل برياً في اليمن كما فعلت الإمارات، رغم تأثرها بما يجري في اليمن أكثر من الإمارات بحكم حدودها معها". وعن جدوى التدخل الإماراتي في اليمن وبناء قواعد عسكرية في جزيرة ميون بمضيق باب المندب، تساءلت الدراسة: "كيف نبني قواعد عسكرية خارج الحدود، وما زلنا نعتمد على قواعد عسكرية أميركية وأوروبية داخل البلاد؟". كما انتقدت الممارسات الإماراتية التي أدت إلى اتخاذ اليمنيين موقفاً سلبياً منها، كبنائها قوات عسكرية خارج إطار الشرعية، وبناء السجون السرية لتعذيب المواطنين، ما أدى إلى تآكل الشرعية التي تدخل التحالف لإعادتها ودعمها.
وذهبت الدراسة إلى أن "الإمارات فقدت دورها الريادي بتدخلها في الشؤون الإقليمية عبر الحوار، وأن تدخلها في اليمن بتلك الطريقة أدى إلى خلق الأعداء والخصوم ليس في اليمن فقط بل وفي بقية دول المنطقة. فكيف يمكن أن تتجنب حكومات المستقبل تداعيات التدخلات الحالية للدولة؟".