خسائر القوات الروسية... من أسرار الدولة

02 يونيو 2015
تحاول روسيا استعادة "روحية" الزمن السوفييتي (شون غالوب/Getty)
+ الخط -
باتت خسائر القوات المسلحة الروسية في زمن السلم سراً من أسرار الدولة، ويُعاقب القانون على نشرها بـ"السجن"، بموجب مرسوم رئاسي وقّعه الرئيس فلاديمير بوتين في 28 مايو/أيار الماضي. ويرى البعض أنه يُمكن إدراج المرسوم في سياق محاولات منع الرأي العام من تداول قضية مقتل الجنود الروس، في نزاعات غير معلن عن المشاركة فيها، كالنزاع الأوكراني. كما يُمكن اعتباره بمثابة محاولة من الكرملين لاستعادة بعض من منظومة الأمن السوفييتية وهيبة المؤسسة الرسمية، التي فُقدت في أعوام "البيريسترويكا" وسنوات حكم الرئيس السابق، بوريس يلتسين.

الأسوأ في موضوع "عدم تداول خسائر القوات الروسية"، هو إمكانية استخدام المرسوم الجديد، للتضييق على الحريّات، وبالتالي خنق المجتمع المدني، وردعه عن تناول أي مسألة لا تناسب الكرملين. واعتبر المرسوم الجديد، الخسائر التي يتكبّدها الجيش عند القيام بعمليات خاصة في زمن السلم، من أسرار الدولة. كما أضاف إلى قائمة الأسرار: مخططات إمداد المدن التي يزيد عدد سكانها عن 200 ألف نسمة بالماء، والمعلومات الخاصة المتعلقة بأعمال الحفر، وشبكات مترو الأنفاق، وغيرها من المنشآت والأعمال التي يمكن أن تستخدم في حالة الدفاع عن البلاد. كما باتت تعدّ سراً من أسرار الدولة، المعلومات والوسائل الهادفة إلى ضمان أمن المنشآت الخاصة، ومصادر تمويلها.

بالإضافة إلى ما سبق، فقد منع المرسوم الجديد، نشر وتداول معلومات عن الأشخاص الذين تنوي هيئات الاستخبارات الروسية الخارجية، تجنيدهم للتعاون معها على أساس شخصي. مع العلم بأن عقوبة "إفشاء أسرار الدولة" تصل إلى سبع سنوات، عدا عن تهم الخيانة والتجسس.

وساد الاعتقاد بأن للمرسوم علاقة بما يدور في أوكرانيا، لكن المتحدث الرسمي باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أكد أن "لا علاقة للمرسوم بأوكرانيا، لأن الجهات المعنية ترى أن نظام السرية الذي يدور الحديث عنه، يُلبّي مصالح الدولة على أكمل وجه". وشدد بيسكوف أن "بوتين ليس بصدد إعطاء أوامر بإجراء عملية خاصة في أوكرانيا".

اقرأ أيضاً: أوكرانيا تحاصر الروس وبارود سوفييتي بانتظار شرارة

ويزداد الوضع توتراً بين موسكو وكييف نتيجة انسحاب أوكرانيا من اتفاقيات سابقة مع روسيا، كانت تسمح بانتقال الجنود الروس والإمدادات عبر الأراضي الأوكرانية، وصولاً إلى مولدوفا. وروسيا الآن بصدد البحث عن تدابير لفك الحصار الذي فرضته أوكرانيا على جنودها المشاركين في قوة حفظ السلام في "جمهورية ترانسنيستريا المولدوفية" غير المعترف بها، وقد تضطر إلى استخدام القوة من أجل تحقيق ذلك. ووصف نواب في لجنة الدوما الخاصة بشؤون الدفاع، مثل أليكسي جورافليوف، مرسوم توسيع قائمة أسرار الدولة بـ"الصحيح" و"الضروري"، وفقاً لموقع "روسيا ما وراء العناوين".

وأضاف جورافليوف "عملت شخصياً في مؤسسة دفاعية، وأذكر أنه في ثمانينيات القرن الماضي كان تصوير مبنى المؤسسة من الخارج ممنوعاً حتى. أما في التسعينيات فتوجهت وفود أجنبية إلى هناك ونسخت كل ما كان ممكناً، بالتالي دُمّرت منظومة الأمن بالكامل".

وأكد أن "أية عملية خاصة تكون فعلاً بمثابة سر من أسرار الدولة، إلى جانب المعلومات عن أعداد المشاركين والمعدات وغير ذلك". كما أبدى أحد أعضاء اللجنة، فرانس كلينتسيفيتش، تأييده للمرسوم الجديد. ونقلت "ريا نوفوستي" عن كلينتسيفيتش، قوله إن "نشر المعلومات عن الخسائر في العمليات الخاصة، يعني نشر كل شيء عن طبيعتها وعن القوات المُشاركة فيها".

لكن تأييد المرسوم ليس شاملاً في روسيا، فبعض الليبراليين يرون فيه "تهديداً لحرية الرأي والنشر والإعلام عموماً". ولا يخفى أن الحديث عن الخسائر في زمن السلم في وسائل الإعلام الروسية، بدأ يتصاعد مع تطوّرات النزاع في أوكرانيا، والاتهامات الموجهة للكرملين بإرسال جنود للقتال هناك بصورة غير رسمية. ومعلوم أن تقرير المعارض المقتول، بوريس نيمتسوف، "بوتين. الحرب"، الذي تم إكماله ونشره بعد تصفية صاحبه، تمحور حول التدخّل العسكري الروسي في أوكرانيا.

وفي سياق معارضة المرسوم، أفاد البرلماني ليف شلوسبيرغ من حزب "يابلوكو" في مقابلة لصحيفة "محافظة بيسكوف" التي يصدرها في أغسطس/آب 2014، عن عمليات دفن سري في بيسكوف لقتلى من الكتيبة 76 لقوات المظليين. وتعرّض شلوسبيرغ للاعتداء جرّاء ما نشره، لكن ذلك لم يثنه عن اللجوء إلى القضاء العسكري، الذي أكد بالفعل مقتل 12 جندياً، ورفض تزويده بمعلومات عن انتشار الكتيبة، بدعوى أن "ذلك من أسرار الدولة"، وفقاً لقناة "آر بي كا" التلفزيونية.

بدوره، ألمح المعارض المعروف أليكسي نافالني، في مدونته الخاصة على موقع إذاعة "صدى موسكو" المعارضة، إلى "نوايا سيئة بحق المعارضة وراء توقيع المرسوم الجديد". وقال "منذ الآن، سيغدو البحث في ضحايا العملية الخاصة في أوكرانيا انتهاكاً لأسرار الدولة. ليمت الجنود، وليصمت أقرباؤهم. ومن لا يوافق على ذلك، يُسجن بتهمة الجاسوسية".

وفي السياق، أبدى بعض الحقوقيين الروس رفضهم للمرسوم، ويستعدّ في هذا الصدد "الفريق 29" الحقوقي للجوء إلى القضاء، بغية إلغاء المرسوم. ونقلت وكالة "إنترفاكس" عن المحامي إيفان بافلوف، قوله "أمهلنا أنفسنا أسبوعين قبل أن نرفع شكوى إلى المحكمة العليا، لأننا نرى أن المرسوم الرئاسي الجديد يضرّ بمصلحة المجتمع ويخالف التشريعات المعمول بها". وأضاف "خرج الرئيس، عبر مرسومه، عن الأطر التي يحددها القانون الفيدرالي لأسرار الدولة".

لكن احتجاج الحقوقيين وتذمّر المعارضين لن يغير في مسعى السلطات الروسية لاستكمال بناء منظومة أمنية، فالكرملين يقطع، خطوة وراء خطوة، جميع الطرق المؤدية إلى أي ميدان احتجاجي. ويُمكن استخدام المرسوم الجديد في هذا الإطار أيضاً.

اقرأ أيضاً: روسيا قلقة من عجز أوكرانيا عن سداد الديون
المساهمون