في عام 2004، تأسست الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية لتتولى منح تراخيص معالجة المعطيات الشخصية أو سحبها، وكذلك تلقّي الشكاوى ذات الصلة.
حماية المعطيات أو المعلومات الشخصية مفهوم لا يدرك معناه التونسيون بمعظمهم، ولا يعون ضرورة حمايتها كحق من حقوقهم الأساسية التي يضمنها لهم الدستور. أمّا معالجتها فلا تكون إلا في إطار الشفافية واحترام كرامة الإنسان، وفقاً لمقتضيات قانون المعطيات الشخصية الذي لا يعرف التونسيون بوجوده.
وكانت الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية قد أكدت وجود خروقات كبيرة في ما يتعلّق بالمعطيات الشخصية في تونس. وقد وجّهت الهيئة في مناسبات عدّة، اتهامات لعدد من المؤسسات العامة بعدم تقيّدها بالإجراءات عند معالجة المعطيات الشخصية. ودعت الهيئة في أكثر من مرّة إلى ضرورة استعجال المصادقة على معاهدة المجلس الأوروبي 108 المتعلقة بمبادئ حماية المعطيات الشخصية.
ويقول رئيس الهيئة شوقي قداس لـ "العربي الجديد" إنّ "المعطيات الشخصية تستخدم من دون موافقة المواطنين، ومنها ما يحوّل إلى الخارج وأخطرها هي تلك المتعلقة برواتب المواطن وعدد أفراد عائلته وأموره الصحية. وذلك على الرغم من أنّ الفصل 59 من الدستور ينصّ على أن تحمي الدولة الحياة الخاصة والمعطيات الشخصية". ويشير إلى أنّ "الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية سبق وقاضت 14 شركة ومؤسسة عمومية، بما فيها الصناديق الاجتماعية الثلاثة والشركة الوطنية للكهرباء والغاز ومستشفى بن عروس بالقرب من العاصمة وخمس مصحات خاصة والخطوط التونسية، على خلفية تعديها على المعطيات الشخصية للمواطنين منذ يونيو/ حزيران 2016".
ويوضح قداس أنّ "أكبر الخروقات سُجّلت لدى مشغّلي الخلوي. فالعقود المبرمة مع مؤسسات الاتصالات تخوّلها مدّ مؤسسات تجارية تتعامل معها، بأرقام عملائها. كذلك تعمد إلى تخزين الصور والرسائل وغيرها، لتستبيح بذلك البيانات الشخصية للمواطنين من دون علمهم".
ويتحدّث قداس عن "مراسلة 47 مصحة خاصة في تونس الكبرى تستخدم بصمة المرضى من ضمن المعطيات الشخصية عن طريق برمجية خاصة، وهو ما يخالف قانون 2004 لحماية المعطيات الشخصية. فالهيئة تلقت شكاوى من مواطنين حول هذا الخصوص، وعلى الأثر وجّهت الرسائل إلى المصحات المعنية". يضيف أنّها "راسلت خلال شهرَي فبراير/ شباط ومارس/ آذار الماضيين 700 مؤسسة، من بينها 206 أحزاب سياسية لتسوية أوضاعها، في ما يتعلق بحماية المعطيات الشخصية للمنخرطين فيها. وقد استجابت أحزاب عدّة لطلب الهيئة فيما لم يهتم البعض الآخر إطلاقاً بالأمر".
في السياق، يلفت قداس إلى بطاقات "وفاء" التي تحتوي على "معطيات شخصية خاصة بالعميل تُستخدم وتُستغلّ بطرق غير قانونية وغامضة من قبل المؤسسات التجارية الكبرى، من دون إعلام العملاء عن الغرض من جمع معطياتهم الشخصية. وتلك المعطيات المفصلة الخاصة بأصحاب البطاقات تتضمّن الطبقة الاجتماعية التي ينتمون إليها ووضعهم العائلي وسنّهم وطبيعة عملهم وعدد أبنائهم وأعمار هؤلاء". ويتابع أنّه "من المرجح أن تستغل المؤسسات التجارية المعطيات المذكورة لإعداد دراسات تخص العادات الاستهلاكية، استناداً إليها. ومن غير المستبعد أن تُباع تلك المعطيات وتُحوّل إلى الخارج وتُستغلّ بحرية تامة من دون أيّ مراقبة خاصة، في ظل عدم وعي الأشخاص بالصيغ القانونية غير المطبقة في الواقع لحماية معطياتهم".
ويؤكّد قداس على أنّ "الملفات والشكاوى التي تلقتها الهيئة قليلة بالمقارنة مع الخروقات والتجاوزات المسجلة"، معيداً ذلك إلى "قلة وعي المواطنين بضرورة حماية معطياتهم الشخصية". إلى ذلك يقول إنّ "80 في المائة من التونسيين لا ينزعجون من نقل معطياتهم الخاصة إلى أشخاص آخرين، و60 في المائة لا تزعجهم الرسالات النصية القصيرة التي تصلهم من جهات غير معروفة من قبلهم أو بغرض الدعاية، وفق ما جاء في دراسة أعدّتها الهيئة". من جهة أخرى، ينبّه قداس من "بطاقات الهوية البيومترية المقرر اعتمادها، لما في الأمر من خطورة على الحياة الخاصة وعلى المعطيات الشخصية، لا سيما في ظل اعتماد التكنولوجيا الحديثة للاتصالات".
ويقترح قداس أن "تُدرج مسألة حماية المعطيات الشخصية في مناهج التدريس، بالإضافة إلى إطلاق حملات تثقيفية وتوعوية في المجتمع والهياكل العمومية والخاصة". ويدعو إلى "تعديل القانون الأساسي رقم 63 لسنة 2004 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية، مع ضرورة تفعيل مقتضياته ومعاقبة الجهات والهياكل المخالفة"، لافتاً إلى أنّ "الهيئة في صدد إنجاز مشروع قانون جديد لحماية المعطيات الشخصية يتكون من 212 فصلاً".