خطاب زائف في تمكين الشباب

07 نوفمبر 2014

تظاهرة شبابية في القاهرة ضد الانقلاب العسكري (12سبتمبر/2012/الأناضول)

+ الخط -

منذ ثورة 25 يناير، كان الشباب المصري وحقيقة أدوارهم وعوامل تأثيرهم ومناط فاعليتهم في تشكيل الفعل الثوري، برزوا ليشكلوا طاقة حقيقية في الحالة الثورية، وقدموا كل تضحية تمكن لهذه الثورة وتحقق أهدافها (عيش، حرية، كرامة إنسانية، عدالة اجتماعية)، إلا أن القوى التى تتربص بالثورة، وبأهدافها، وتشكل خط الدفاع عن دولة الفساد العميقة وأركانها، وتؤسس لثورة مضادة، تئد هذه الثورة بأهدافها، جعل هؤلاء من هذه المعرفة مدخلاً من مداخل تزييف التمكين، وتمكين التزييف للشباب وأدوارهم. وبدت الأمور في صناعة بعض الشباب اصطناعاً على أعين الأجهزة الأمنية وأجهزة المخابرات، بعض شباب يبيع عند أول طريق، ويمارس عملية زيف وانحراف وتحريف، اتخذ من حركة تمرد وعناصرها المصنوعة والمصطنعة نموذجاً لشباب يمارس عمليات من فعل التحريف وخطاب التجديف.

وبدت سرقة مفهوم الشباب، ليحصره في تلك العناصر التي آثرت أن تنضم إلى جوقة الثورة المضادة وتحركاتها، في مواجهة منظومةٍ، اتفق كثيرون على إسقاطها، وبالأحرى إفشالها، وزيف في الطريق مفهوم الشباب ومفهوم التمكين وكل الممارسات الدالة على التفعيل الحقيقي لهذا الشعار الذي لم يصادف، ومنذ قيام ثورة 25 يناير، إلا محاولة للالتفاف عليه، أو لتفريغه من مضمونه، أو محاولة تفكيكه، أو تبديده، ضمن عمليات متصاعدة، يتم فيها طمس كل ما يتعلق بالشباب في حقيقته، وبتمكينه في جوهره.

إن صورة عرضت في برنامج تلفزيوني لإعلامي انخرط في جوقة الانقلاب، بنسبة كبيرة، وفي زلة تلفزيونية، عرض صورة الشباب الذين يمثلون بعض أيقونات هذه الثورة في الخامس والعشرين من يناير، وقد التقطت بين اللوائين، مدير المخابرات الحربية آنذاك، عبد الفتاح السيسي، وعضو المجلس العسكري، محمود حجازي، وقد صار الأول رئيساً بعد انقلابه، وصار الآخر رئيساً للأركان، وتربطهما صلات نسب، وفي زلة مشهد تلفزيوني عقب الإعلامي، أين هؤلاء، يسأل المنقلب الرئيس، الذين ظهروا في الصورة من حولك؟، وبالتفحص، تجد أحدهم معتقلاً، وآخر مطارداً، وثالث يُتهم بالخيانة ليل نهار، وأخرى ممنوعة من السفر وآخرين آثروا السلامة والبعد عن ألاعيب السياسة. كان ذلك المشهد والتنويه إليه بمثابة إدانة كاشفة وفاضحة لتلك المنظومة التي لعبت دوراً من خلال أجهزتها الأمنية، وكذا أذرعها الإعلامية، لتصنع الصورة حول هؤلاء، بحيث يقع هؤلاء جميعاً في دائرة الاتهام، أو التخوين أو التجريم.

ونرى، بعد ذلك، في خطاب ضمن مناورة عسكريةٍ، يوجه المنقلب الرئيس خطاباً إلى الشباب، يحمل في طياته تناقضاً عجيباً وخلطاً مريباً، يجعل من الشباب محل نداء ودعاء، ويجعل منهم كذلك، في السياق ذاته، محل اتهام وتشكيك، ها هو يدعو الشباب إلى دخول الانتخابات البرلمانية، ويكرر الشباب ثلاثاً، وكأنه يحس بنقطة ضعفه الأساسية الطاعنة في محاولته لشرعنة انقلابه. الشباب لم يدخل أي من موالده، سواء في الاستفتاء على الدستور، أو في انتخابات هزلية للرئاسة؛ حيث خلت الطوابير منهم أو تكاد، وخرج بعضهم يحتجون ويعترضون، وكثير من هؤلاء انفضوا، بفعل الخوف من تورط في دماء، اعتنت تلك الرسالة من الشباب بالكثير، تعني أنهم لا يمكنهم، بأي حال، أن يشاركوا في مهزلة انتخابية أو اصطناع فرعون، بينما انكشف الستار عن شباب مصنوع، زيفته أجهزة المخابرات، ودفعته إلى تقدم المشهد في عملية تدريب وتزوير كبرى، لإضفاء شرعنة على باطل، وإضفاء حق على غاصب.

في المشهد نفسه، يشكك الخطاب في الشباب، فيحدثهم على "ضرورة أن يتجهوا إلى إصلاح المستشفيات والمدارس"، وهنا يحمل الشباب له رسائل عدة، يقول بعض هذا الشباب الذي سقط على يديه، منذ ثورة 25 يناير، والتي تبين أن الأجهزة الأمنية كانت تخطط لاحتوائها وحصارها، والالتفاف عليها وإنهاكها، وإجهاض هذه الثورة ووأدها، هؤلاء الذين سقطوا يتحدثون، كشهداء أحياء: من الذي أسال دماءنا؟، ومن الذي أزهق أرواحنا؟، ومن الذي استهان بنفوسنا؟، أتملك ردّاً عليهم، وعلى أهليهم الذين لا يرضون عن القصاص بديلاً؟، بأي أمارة تدعو الشباب، وأنت تقتلهم وتقنصهم؟ وبعضهم يطلون عليك من وراء قضبان اعتقلتهم خلفها؟ بأي أمارة يمكن أن تدعو هؤلاء، بعد أن ألبست بعضهم أكفانهم إلى قبورهم، وذهب آخرون إلى زنازينك وسجونك التي تباهي بها، وتقول إن اعتقال هؤلاء أفضل من قتلهم!، أليس هذا هو تمكين الشباب في عرفك، حينما تقتل وتعتقل، أين أنت من الشباب وتمكينهم؟ وأنت لا تمد أي يد إلا لعواجيز، تعدوا من أعمارهم الثمانين، تستند إليهم وإلى شعرهم الأبيض المصبوغ زيفاً، وعجزهم الأسود عقماً، وتقول إن هؤلاء سيشكلون أحلافاً انتخابية، وسيحددون مستقبل الوطن والتنمية؟

ألم تر ماذا فعلت بالشباب، حينما تُكتب الدعوات على صدر صفحات التواصل الاجتماعي بالدعوة إلى الهجرة والاغتراب؟، ألا تعرف أن ذلك ليس إلا نذير شؤم ونعيق غراب؟ فإن كنت تعرف، أو لا تعرف، فإن الشباب أكثر من نصف الحاضر وكل المستقبل، ولكن أصحاب المصالح الأنانية والدنيئة ممن حولك، وأصحاب التحالفات الخفية والفاسدة، لا يبصرون، وإن أبصروا يتعامون. أقول لك وفق دعوات منك أن يقوم الشباب بإصلاح، فهل تستطيع، بحق، أن تخلي بينهم وبين مسيرة إصلاحهم المؤسسات والمنشآت كافة؟ ،أم أنك ستغري أجهزتك الأمنية بالتحقيق معهم، وإيداعهم السجون، والحكم عليهم بأحكام جائرة ظالمة، وكأنك تقوم بحملة تأديبية عقابية، ألا تدري أن أجهزتك الأمنية قبضت على هذا الشباب، حينما كان في طقس احتفالي، يتعلق بيوم التطوع المصري؟  أي إصلاح تريد؟ أم أن مشروعك الإصلاحي يقوم على التخويف والتجريف، ولا تقبل إلا شباب زور، أو شباب هَتِيف.

أين أنت من تمكين الشباب على الحقيقة؟ تريدهم من أهل الزينة، تضعهم في صورتك كالصورة الأولى، بعد أن وضعتهم في دوائر الاتهام والتخوين والتشكيك والتجريم؟ يا هذا إن شباب مصر "مش هيقدر يديك"، حينما تنقلب على حاضرهم، وتئد مستقبلهم. إنهم يرفضون زخرف قولك، ويفضحون زيف خطابك، وأنت لا تبلغهم إلا القبور أو السجون أو هجرة الوطن.

ECE602C0-DB35-414B-9572-17B675CE3C2A
سيف الدين عبد الفتاح

كاتب وباحث مصري، مواليد 1954، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، من مؤلفاته "في النظرية السياسية من منظور إسلامي"، و" التجديد السياسي والواقع العربي المعاصر.. رؤية إسلامية".