03 نوفمبر 2024
خطوة تونسية نحو الخلف
لم يجفّ الحبر الذي كتب به الدستور التونسي بعد. ومع ذلك، ارتفعت الأصوات للمطالبة بمراجعة بعض فصوله أو تعديلها. لا يتعلق الأمر، هذه المرة، بالدعوة إلى تغيير النظام السياسي، وتحويله من نظام شبه برلماني إلى نظام رئاسي، وإنما مثار الجدل اليوم في تونس هو القفز على فصلٍ من الدستور بغرض سحب الجنسية من الإرهابيين التونسيين الموجودين في بؤر التوتر، والحيلولة دون عودتهم.
تكتسب هذه الدعوة أهميةً خاصةً، عندما تصدر عن نواب حزب نداء تونس الحاكم في البرلمان، والذين رفعوا جماعيا شعار "لا لعودة الإرهابيين"، في جلسةٍ لمجلس النواب. ولقوا في ذلك مساندةً قوية من أعضاء الجبهة الشعبية في المجلس، الذين عرضوا عليهم تقديم مقترح قانونٍ مشترك يدعم هذا الطلب.
كانت هذه الرغبة في تعديل الدستور أو محاولة المراوغة ببعض فصوله كافيةً لإطلاق جدل قوي وعاصف، اختلط فيه السياسي بالقانوني، وهيأ المناخ لتعميق الانقسام في بلدٍ لا تزال أوضاعه هشّة، ولا تزال أزمة الثقة بين مكوناته الرئيسية عميقة.
ارتكب نواب "نداء تونس" أخطاء عديدة، عندما تصرّفوا بهذه الطريقة التي لم تخل من ارتجال وتسرّع، فهم من جهة أثاروا الرعب في صفوف المواطنين، عندما أشعروهم بوجود خطر داهم وعاجل، سيهدّد البلاد والعباد، في حين أن الأمور ليست كما افترضوه، فإقدامهم على تجميع مواطنين تونسيين أمام مجلس النواب، ورفع شعار ضد عودة الإرهابيين أظهر وكأن الدولة التونسية هي دولة من ورق، وأن بعض العائدين من بؤر التوتر بأي شكل كفيل بإسقاطها أو تهديدها. ولهذا السبب، حاول رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي، أن يصحح هذا الخطأ من حزبه، فأكّد في الكلمة التي ألقاها، بمناسبة استقبال سنة ميلادية جديدة، أن يطمئن الرأي العام، وأكد على أن أجهزة الدولة يقظة ومستعدة لمواجهة كل الاحتمالات، مستبعدا عودة الإرهابيين بشكل واسع ومكثف، كما أوحت بذلك كوادر قيادية بحزبه.
الخطأ الثاني الذي ارتكبه "الندائيون" تناقضهم مع نص صريح في الدستور، وهو ما جعلهم ليس فقط في خلافٍ مع حليفهم الرئيسي في الحكومة، ممثلا في حركة النهضة، وإنما الأهم من ذلك، من الناحية الرمزية، أن شعارهم الذي رفعوه استفزّ أهم خبراء القانون الدستوري في البلاد، إلى جانب المدافعين عن حقوق الإنسان. فهؤلاء، أو معظمهم على الأقل، حذّروا، في تصريحات متعدّدة، من هذه الرغبة غير المدروسة في المسّ بالدستور ومراجعته في غياب المحكمة الدستورية التي لم تتأسّس بعد. كما اعترض بعضهم، بوضوح، على الطلب الداعي إلى حرمان أي تونسي من جنسيته، مهما كان الخلاف معه، ومهما كانت الجرائم التي ارتكبها، داخل الوطن أو خارجه.
كان الانقسام في السابق بين الإسلاميين والعلمانيين، لكنه انتقل اليوم، بسبب الاختلاف حول كيفية مواجهة ملف العائدين، من بؤر التوتر إلى داخل الصف العلماني نفسه. ما يعود بالأساس إلى وجود شخصياتٍ تتمتع بالاحترام والكفاءة، رفضت محاولة الالتفاف على المرجعية الدستورية والحقوقية التي ميّزت التجربة التونسية في مرحلة الانتقال الديمقراطي. وقد انتقد أحد هؤلاء رفاقاً له، واتهمهم بالتنكّر لمواقفهم السابقة، عندما ضغطوا بقوة من أجل الدفاع عن الفصول الدستورية المثبتة لبعض الحقوق، ومن بينها الحق في الجنسية، فإذ بهم اليوم ينسون ذلك، ويريدون إلغاء هذا الحق، بحجة مواجهة الإرهاب، وهي حجةٌ كان يعتمد عليها النظام السابق في معركته ضد الإسلاميين.
لا خلاف حول المخاطر التي يمكن أن تنجر عن عودة أفراد احترفوا العنف، ومارسوه على نطاق واسع، لكن النخبة التي تخاف، وترتعش أياديها في اللحظات الحاسمة، وتثير الرعب في صفوف مواطنيها، وتفكّر في الرجوع إلى الخلف، والتخلي عن جوانب من منظومة حقوق الإنسان، اعتقاداً منها بأن ذلك قد يساعدها على كسب معركةٍ ضد العدو المشترك، هي بالتأكيد نخبةٌ حكمت على نفسها بالهزيمة، قبل أن تبدأ خوض المعركة.
تكتسب هذه الدعوة أهميةً خاصةً، عندما تصدر عن نواب حزب نداء تونس الحاكم في البرلمان، والذين رفعوا جماعيا شعار "لا لعودة الإرهابيين"، في جلسةٍ لمجلس النواب. ولقوا في ذلك مساندةً قوية من أعضاء الجبهة الشعبية في المجلس، الذين عرضوا عليهم تقديم مقترح قانونٍ مشترك يدعم هذا الطلب.
كانت هذه الرغبة في تعديل الدستور أو محاولة المراوغة ببعض فصوله كافيةً لإطلاق جدل قوي وعاصف، اختلط فيه السياسي بالقانوني، وهيأ المناخ لتعميق الانقسام في بلدٍ لا تزال أوضاعه هشّة، ولا تزال أزمة الثقة بين مكوناته الرئيسية عميقة.
ارتكب نواب "نداء تونس" أخطاء عديدة، عندما تصرّفوا بهذه الطريقة التي لم تخل من ارتجال وتسرّع، فهم من جهة أثاروا الرعب في صفوف المواطنين، عندما أشعروهم بوجود خطر داهم وعاجل، سيهدّد البلاد والعباد، في حين أن الأمور ليست كما افترضوه، فإقدامهم على تجميع مواطنين تونسيين أمام مجلس النواب، ورفع شعار ضد عودة الإرهابيين أظهر وكأن الدولة التونسية هي دولة من ورق، وأن بعض العائدين من بؤر التوتر بأي شكل كفيل بإسقاطها أو تهديدها. ولهذا السبب، حاول رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي، أن يصحح هذا الخطأ من حزبه، فأكّد في الكلمة التي ألقاها، بمناسبة استقبال سنة ميلادية جديدة، أن يطمئن الرأي العام، وأكد على أن أجهزة الدولة يقظة ومستعدة لمواجهة كل الاحتمالات، مستبعدا عودة الإرهابيين بشكل واسع ومكثف، كما أوحت بذلك كوادر قيادية بحزبه.
الخطأ الثاني الذي ارتكبه "الندائيون" تناقضهم مع نص صريح في الدستور، وهو ما جعلهم ليس فقط في خلافٍ مع حليفهم الرئيسي في الحكومة، ممثلا في حركة النهضة، وإنما الأهم من ذلك، من الناحية الرمزية، أن شعارهم الذي رفعوه استفزّ أهم خبراء القانون الدستوري في البلاد، إلى جانب المدافعين عن حقوق الإنسان. فهؤلاء، أو معظمهم على الأقل، حذّروا، في تصريحات متعدّدة، من هذه الرغبة غير المدروسة في المسّ بالدستور ومراجعته في غياب المحكمة الدستورية التي لم تتأسّس بعد. كما اعترض بعضهم، بوضوح، على الطلب الداعي إلى حرمان أي تونسي من جنسيته، مهما كان الخلاف معه، ومهما كانت الجرائم التي ارتكبها، داخل الوطن أو خارجه.
كان الانقسام في السابق بين الإسلاميين والعلمانيين، لكنه انتقل اليوم، بسبب الاختلاف حول كيفية مواجهة ملف العائدين، من بؤر التوتر إلى داخل الصف العلماني نفسه. ما يعود بالأساس إلى وجود شخصياتٍ تتمتع بالاحترام والكفاءة، رفضت محاولة الالتفاف على المرجعية الدستورية والحقوقية التي ميّزت التجربة التونسية في مرحلة الانتقال الديمقراطي. وقد انتقد أحد هؤلاء رفاقاً له، واتهمهم بالتنكّر لمواقفهم السابقة، عندما ضغطوا بقوة من أجل الدفاع عن الفصول الدستورية المثبتة لبعض الحقوق، ومن بينها الحق في الجنسية، فإذ بهم اليوم ينسون ذلك، ويريدون إلغاء هذا الحق، بحجة مواجهة الإرهاب، وهي حجةٌ كان يعتمد عليها النظام السابق في معركته ضد الإسلاميين.
لا خلاف حول المخاطر التي يمكن أن تنجر عن عودة أفراد احترفوا العنف، ومارسوه على نطاق واسع، لكن النخبة التي تخاف، وترتعش أياديها في اللحظات الحاسمة، وتثير الرعب في صفوف مواطنيها، وتفكّر في الرجوع إلى الخلف، والتخلي عن جوانب من منظومة حقوق الإنسان، اعتقاداً منها بأن ذلك قد يساعدها على كسب معركةٍ ضد العدو المشترك، هي بالتأكيد نخبةٌ حكمت على نفسها بالهزيمة، قبل أن تبدأ خوض المعركة.