في شهادته الشخصية الصادرة مؤخراً في كتاب بعنوان "تجربتي في الثورة السورية، كفريا والفوعة وريف إدلب"، عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، يوضح الكاتب السوري خطيب بدلة إنه كان يستبعد الكتابة عن تجربته في الثورة السورية، ذلك أنها لم تنته، ولا أحد يعرف "على أي بر سترسو".
ويكمل إن واحداً من دوافع تردّده في توثيق تجربته الشخصية اليوم، هو أن من سيضطر الكاتب للحديث عنهم أحياء وقد تتسبّب الكتابة عنهم في مشكلات لهم أو تعرّضهم للخطر، ويضيف إلى ذلك أن تناول قريتيّ كفرية والفوعة أمر حسّاس لأنهما مأهولتان بسوريين يعتنقون المذهب الشيعي الجعفري، ضمن محيط سني.
يروي بدلة كيف كان مقرّباً من تنسيقيات الثورة في إدلب، ويعزو ذلك إلى "لكوني، وأنا في التاسعة والخمسين من عمري، شاركتُ في معظم التظاهرات المعادية لنظام الأسد، ومنها التظاهرات الخطرة التي تعرّضتْ لإطلاق الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع، إضافة إلى كوني كاتبًا محسوبًا، بصورة أو أخرى، على معارضي النظام".
وبعد أن يتناول بدلة بدايات الثورة (الثمانية أشهر الأولى) التي يصفها بأنها "الأجمل والأحلى والأرقى"، يتطرّق إلى التحوّل الذي بدأ مع التسلّح، فيوضّح "حين بدأت الثورة بالتسلّح، أصبحنا نعاني أخبار الخَطف الذي يُعْرَفُ بالتجويل، وأنا، منذ البداية، كرهتُ هذا الفعل وتحسّستُ خطورته، واحتججتُ عليه لكن من دون جدوى، فقد اتّسع الخرق على الراتق. ثم بدأتُ أحصرُ عملي اليومي، كُلَّهُ تقريبًا، في مجال فك أَسْر المُجَوَّلين وإعادتهم إلى أهاليهم. ولم أنتبه وقتها إلى خطر هذا التحول في مسيرتي: من ثائر يمشي في التظاهرات ويهتف للحرية والخلاص من الاستبداد، إلى رجل مشغول بالحدّ من حَجْز حرية الناس على يد المطالبين بالحرية أنفسهم!".
يختم بدلة شهادته بقوله: "أنا إنسان عادي. لستُ بطلاً، ولستُ شجاعاً، لكنّني، مع ذلك، ثرتُ، وتعرّضتُ لمخاطر جمّة. لستُ راضياً عما جرى في جانبنا نحن الثوار، وانتقدتُ أسلمة الثورة، وخضتُ صراعات طويلة من خلال فايسبوك مع المتشدّدين. صرختُ ملء صوتي احتجاجاً على عدوان جبهة النصرة على فصائل أخرى من الجيش الحرّ، وإقدامها على قتل رجال من قرية قلب لوزة الدرزية، وانتقدت عدوان فصائل من جيش الفتح على الحرية الشخصية لنساء إدلب بحجّة فرض الحجاب. لكنّني، مع هذا كلّه، لا أسمح لنفسي بأي نوع من التعاطف مع نظام ابن حافظ الأسد الذي أرى أنه يجب أن يسقط في كل حال".