خلاصة المحادثات السورية: ترحيل الانتقال السياسي إلى جنيف 3

25 مارس 2016
قدّم دي ميستورا ورقة حول النقاط المشتركة(فابرس كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -


بين 14 مارس/آذار الحالي موعد بدء الجولة الثانية من محادثات السورية ويوم أمس الخميس، تاريخ اختتام الجولة الثانية من محادثات جنيف السورية، أيام طويلة من المحادثات كانت مليئة بالمعارك السياسية بين وفدي المعارضة السورية والنظام، ولم ينتج عنها سوى تفاهمات "الحد الأدنى" أو البديهيات، فيما تم ترحيل القضايا الأساسية وتحديداً ملف الانتقال السياسي إلى الجولة المقبلة من المحادثات التي بدا المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، أمس في المؤتمر الصحافي الختامي للمحادثات، حريصاً على عدم تحديد موعدها بشكل نهائي، لكنه أعرب عن اعتقاده بأنه لا يجب أن يتجاوز تاريخ 11 أبريل/نيسان المقبل، متجاهلاً مطلب النظام بتأجيلها إلى ما بعد إجراء الانتخابات التشريعية المقررة في 13 أبريل، والتي رفض دي ميستورا الاعتراف بشرعيتها بشكل ضمني بقوله "الانتخابات الوحيدة التي أشعر أني مفوض لأعلق عليها هي الانتخابات التي نص عليها القرار 2254 بعد 18 شهراً من إطلاق العملية السياسية".

وفي موازاة المحادثات كانت المشاورات السياسية الدولية متواصلة، وخصوصاً بين الولايات المتحدة وروسيا، بما في ذلك اللقاءات التي جمعت وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، مع المسؤولين الروس في موسكو والتي أكد دي ميستورا أمس أنها "مباحثات مهمة ونؤمن أنها ستكون مساعدة في المرحلة التالية. وكان لافتاً ما أعلنته المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، أن المباحثات بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأميركي استمرت حوالي 4 ساعات، بحث خلالها الطرفان العلاقات الثنائية والتسوية السورية والوضع في أوكرانيا، بالإضافة إلى عدد من القضايا الدولية الأخرى. وكان كيري قد أكد وزير الخارجية الأميركي لنظيره الروسي عند بدء اللقاء في موسكو، أن "تراجعاً هشاً لكن مهماً للعنف حصل، لكننا نعلم أنه يجب بذل المزيد لخفض هذا العنف". من جهته، قال لافروف: "بذلنا مساعي للتوصل إلى توازن في المصالح ليس فقط بين موسكو وواشنطن وإنما بين كل الأطراف المعنية في سورية". وعقب ذلك، التقى كيري الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

اختتام جنيف 2

وانتهت يوم أمس الجولة الثانية من محادثات جنيف 2، بعد معارك سياسية خاضتها المعارضة السورية على مدار عشرة أيام في مواجهة وفد النظام الذي جاء بهدف وحيد هو إطالة أمد المحادثات أكبر مدة ممكنة أو حرفها عن مسارها من خلال إدخالها بتفاصيل لا علاقة لها بموضوع التفاوض.

والتقى المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، أمس الخميس، وفد المعارضة السورية للمرة الأخيرة قبل اختتام المحادثات، أعلنت بعده المعارضة أنه تم وضع أساس لمحادثات "جوهرية" في المرحلة المقبلة. وقالت عضو وفد المعارضة بسمة قضماني: "نخرج من هذين الأسبوعين ولدينا شعور بأننا وضعنا على الأرجح الأساس لمحادثات جوهرية في الجولة التالية"، مضيفة "لم نعقد مثل هذه المحادثات الجوهرية". وأعلنت أن دي ميستورا قدّم وثيقة "بناءة" تتضمن فهمه لنقاط الالتقاء بين كل الأطراف. وأضافت قضماني "إنها لحظة فريدة من نوعها ونأمل أن تغتنمها روسيا للضغط" على نظام الأسد. واعتبرت أنه "من دون هذا الضغط على النظام لا آمال كبيرة لدينا بإمكان تحقيق أمر ما"، في تحذير من إمكانية فشل المحادثات في الجولة المقبلة.

من جهته، قال دي ميستورا في المؤتمر الصحافي الختامي للمحادثات إنه "لا يمكن استدامة وقف الأعمال العدائية في نزاع كالنزاع السوري إلا إذا كان هناك عملية سياسية"، مشدداً على أنه "لا يمكن الوصول إلى عملية سياسية ذات مصداقية إذا كان هناك أفق لعملية انتقالية وفق القرار 2254. وبعدما أكد أنه لم يكن هناك انهيار للجولة الثانية من المحادثات ولا تشكيك بشرعية الطرف الآخر، لفت إلى أن "هذه المرحلة كانت ترمي إلى الحفاظ على الزخم والتجهيز للمباحثات الحقيقية بشأن الانتقال السياسي". وأضاف "عندما بدأنا هذه الجولة، روسيا أعلنت سحب قواتها، وهذا ليس محض مصادفة".

وفيما أثنى دي ميستورا على وفدي المعارضة والنظام، ركز على أداء الهيئة العليا للمفاوضات وجديتها. كما أشار إلى أن قضية المبادئ مهمة لأنها جزء من الدستور المستقبلي وأيضاً النقاش الذي سيدور حول العملية الانتقالية، يجب أن نعتمد على وثيقة المبادئ في اللقاءات الأخرى. أما في ما يتعلق بموعد استئناف المحادثات، حذر دي ميستورا من أنّ "التواريخ ستكون بشكل مصيدة لن نقع فيها، مضيفاً "هذه المفاوضات تفضي إلى ما يسمى كلمة مفتاحية أي تاريخ مستهدف في 9 أو 10 أو 11، ولا أتصور أنه سيتعدى هذه التواريخ". كما أكد أن قضية المعتقلين أصبحت أولوية أكثر من ذي قبل.

اقرأ أيضاً: جنيف 3 في 10 أبريل.. والتركيز على الانتقال السياسي

واستطاع وفد المعارضة المفاوض أن يكرّس مجموعة من الثوابت خلال المحادثات، على الرغم من كل محاولات النظام الالتفاف عليها وتعطيلها، إذ استطاع وفد المعارضة التمسّك بفكرة عدم قبول الأسد ضمن المرحلة الانتقالية، على الرغم من تجنّب المبعوث الأممي التطرّق لهذا الموضوع خلال هذه الجولة. كما استطاع وفد المعارضة تعطيل طرح النظام لحكومة "الوحدة الوطنية" التي طرحتها إيران، والتمسّك بأن شكل الحل هو هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، لا مكان فيها للأسد. كما تمكّن وفد المعارضة من إجبار النظام على السماح بإدخال مساعدات إلى مناطق محاصرة كان يضع فيتو عليها ويحاول تشديد حصاره عليها تمهيداً لبسط سيطرته. كذلك نجحت المعارضة بالمناورة السياسية مع النظام الذي كان يحاول إظهارها بمظهر الخارج عن الشرعية الدولية. في المقابل، ظهر وفد النظام بحالة إرباك شديد نتيجة الطروحات غير المنطقية التي طرحها خلال المحادثات، وبدأ يكيل التهم لوفد المعارضة تارة وللموفد الأممي تارة أخرى.

ورقة دي ميستورا

وانتهت جولة المحادثات بتسليم دي ميستورا للوفدين مسوّدة ورقة تتضمن النقاط المشتركة بين الطرفين، من دون أن تشير الورقة بشكل واضح إلى مصير الأسد، أو تتطرق إلى "تشكيل هيئة حكم انتقالية". بل أتت على مبادئ عامة معظمها محل اتفاق بين النظام والمعارضة، الأمر الذي عدّته مصادر المعارضة ابتعاداً من دي ميستورا عن عمق المشكلة والتي رجحت أن تطالب المعارضة بتعديل نقطتين أساسيتين في الوثيقة، تتعلق الأولى بضرورة الإشارة الواضحة إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي وفق القرار 2254، فيما تتعلق الثانية بالتأكيد على أن التفاوض يجري بين وفدين فقط.

وتتحدث الوثيقة عن مبادئ عامة مثل سيادة سورية غير المنقوصة على كافة الأراضي السورية، وإقامة نظام جديد على أساس دولة ديمقراطية غير طائفية، ورفض أي تدخل خارجي بالشؤون السورية الداخلية. كما تتحدث عن ضرورة إصلاح مؤسسات الدولة وفق المعايير الدولية، ورفض الإرهاب رفضاً قاطعاً، سواء كان مصدره منظمات أو أفراداً، وإعادة بناء الجيش السوري وفق قواعد وطنية، وتأمين الظروف الملائمة لإعادة اللاجئين والنازحين السوريين إلى ديارهم. وتختم بالتأكيد على تطبيق قرارات مجلس الأمن خصوصاً 2254 بما يضمن الانتقال السياسي للسلطة، وتأمين بيئة استقرار خلال الفترة الانتقالية بما يضمن تكافؤ الفرص.

وقال المتحدث الرسمي باسم هيئة التفاوض المعارضة رياض نعسان آغا، لـ"العربي الجديد": "هناك مسلمات وبديهيات ليست موضع خلاف بين السوريين جميعاً، وما استقاه دي ميستورا من مجمل الحوارات هو تلك البديهيات المتفق عليها، لكنه ابتعد تماماً عن جوهر القضية الأساسية في تقديم رؤية تنفيذية لعملية الانتقال السياسي، إذ اكتفى بالإشارة إلى تطبيق قرارات مجلس الأمن وإيجاد بيئة استقرار خلال الفترة الانتقالية وهو يعرف أن وفد النظام رفض الانتقال السياسي وأصر على يتم كل شيء بقيادة الأسد بينما يعني الانتقال نهاية حقبة الأسد وبداية عهد ديمقراطي جديد".

من جهته، توقّع المستشار الإعلامي للائتلاف الوطني، أحمد كامل، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن يطلب النظام إجراء تعديلات على الوثيقة وقد يرفضها بشكل كلي. وعما إذا كان المطلوب من وفدي النظام والمعارضة الرد على وثيقة دي ميستورا في هذه الجولة من المحادثات، قال كامل إن المعارضة قالت ما لديها.

اقرأ أيضاً: كيري وبوتين: تعاوننا ساعد على التقدم بحل أزمة سورية