استطاع تنظيم "داعش"، الذي نشط أخيراً في محافظات عدة من العراق، ومنها كركوك وديالى وصلاح الدين، أن يوسّع دائرة تحركاته في المناطق المتنازع عليها بين حكومتي بغداد وأربيل، والتي باتت تصنف على أنها من أكثر المناطق الهشّة أمنياً، بسبب الخلاف على إدارتها الأمنية بين الطرفين، ما جعل بعض تلك المناطق شبه خالية من سلطة الدولة أو التواجد الأمني. وعلى الرغم من خطورة الإهمال الأمني لتلك المناطق، إلا أنّ أيّ إجراءات أمنية لا يمكن أن تقدم عليها الحكومة العراقية، إلا في حال التوافق السياسي مع إقليم كردستان، وهو موضوع شائك ومعقد سياسياً، وسط دعوات ومناشدات لفصل الملف الأمني عن السياسي، واتخاذ خطوات حاسمة تحدّ من تحركات "داعش".
وتتوزع الخريطة الجغرافية لمناطق الصراع تلك، على عدد من المحافظات، منها كركوك وديالى وصلاح الدين ونينوى. وهي محافظات مرتبطة حدودياً مع كردستان، وكانت تديرها قوات البشمركة الكردية قبل استفتاء انفصال كردستان، الذي أجري نهاية سبتمبر/أيلول 2017، ونجم عنه دخول القوات العراقية و"الحشد الشعبي" إلى تلك المناطق، وإخراج قوات البشمركة منها إلى مناطق محاذية لحدود الإقليم، مخلفةً وراءها مناطق تحولت إلى أشبه ما يكون بـ"أرض حرام" بين الجانبين، شكّلت شريطاً على امتداد يصل لنحو 180 كيلومتراً من حدود بلدة طوزخورماتو، مروراً بسلسلة جبال حمرين، وانتهاءً بزمار ومخمور بمحافظة نينوى. وغالبية هذه المناطق جبلية وعرة، في حين تؤكد تقارير الأمن العراقي أنّ هجمات كثيرة لـ"داعش" تستهدف القوات العراقية والمواطنين تنطلق منها.
ووفقاً للأمين العام لوزارة البشمركة، جبار ياور، فإنّ "تحركات داعش تتزايد في المناطق المتنازع عليها بشكل يومي"، لافتاً إلى أنّ التنظيم "نفّذ خلال الأشهر الأربعة الأولى من السنة الحالية 85 عملية إرهابية في تلك المناطق". وأوضح ياور في تصريح لوكالات أنباء كردية محلية أخيراً أنّ "العمليات الإرهابية أسفرت عن قتل 70 شخصاً، وجرح 161 آخرين، فضلاً عن خطف 41 شخصاً". وأكد أنّ "أكبر عدد من تلك العمليات وقع في شهر إبريل/نيسان الماضي، بواقع 37 عملية"، مشيراً إلى أنّ "داعش عمد أخيراً إلى تغيير استراتيجيته الهجومية، إذ اعتمد على مجموعات صغيرة متفرقة وخلايا نائمة تتواجد في الغالب في المناطق الريفية، خصوصاً تلك التي حكمها التنظيم على مدى 3 سنوات في نينوى وصلاح الدين وديالى".
من جهته، أكّد مسؤول أمني عراقي ما ذكره ياور حول تحركات "داعش"، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "التنظيم يستفيد من المتناقضات والخلافات كما في حالة ملف إدارة الأمن في المناطق المتنازع عليها، والخلاف وعدم التنسيق العسكري بين بغداد وأربيل بإدارة تلك المناطق، وهو ما منح التنظيم فرصة التحرك فيها". وأضاف المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه، أنّ "وزارة الدفاع العراقية وضمن رؤية حكومة مصطفى الكاظمي، تعتزم إجراء حوارات مع قوات البشمركة، لتحديد أولويات التحركات الأمنية وإدارة الملف الأمني في المناطق المتنازع عليها"، موضحاً أنّ "البشمركة تريد تشكيل قوة مشتركة مع بغداد في تلك المناطق، إلا أنّ هناك رفضاً سياسياً لهذا التوجه". وأشار المسؤول نفسه إلى "وجود اتصالات أولية بين الوزارتين (الدفاع العراقية والبشمركة) بشأن هذا الملف".
ويصرّ الجانب الكردي على أن لا حلّ أمنياً لمشكلة تلك المناطق من دون تشكيل قوة مشتركة من الجيش العراقي والبشمركة، محذراً من خطورة استمرار إهمال الملف. وفي السياق، قال النائب السابق عن الحزب "الديمقراطي الكردستاني"، ماجد شنكالي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "غياب التنسيق بين البشمركة والجيش العراقي تسبّب بخلل أمني كبير في المناطق المتنازع عليها، في الموصل ومخمور وكركوك وديالى وغيرها، وقد منح داعش فرصة التحرك بتلك المناطق وتنفيذ هجمات كثيرة ومتواصلة فيها". وأوضح أنّ "إعادة التنسيق بين البشمركة والقوات العراقية في ظلّ هذا الظرف هي ضرورة قصوى، لا سيما أنّ تلك المناطق (المتنازع عليها) لا توجد فيها قوات للجيش ولا البشمركة لتوفير الحماية لها".
وأضاف شنكالي أنّ "الفراغ الأمني في المناطق المتنازع عليها، يعطي زخماً قوياً لداعش، لا سيما مع تقليل طلعات طيران قوات التحالف الدولي وتقليل دعمها للجيش"، محذراً من "اتساع تحركات التنظيم في تلك المناطق، في حال عدم اتخاذ الحكومة أي إجراءات للتنسيق المشترك لإعادة الأمن والاستقرار فيها".
وأشار إلى أنّ "المشكلة في إدارة أمن المناطق المتنازع عليها، هي مشكلة سياسية، إذ إنّ الكثير من الكتل السياسية في بغداد لا تريد إعادة البشمركة إلى هذه المناطق، وتتخوف من ذلك، على الرغم من أنّ هناك ضرورة أمنية لوجود البشمركة لضبط الأمن"، داعياً الحكومة ورئيسها مصطفى الكاظمي، إلى "إدارة ملف تلك المناطق من دون الخضوع للآراء والإرادات السياسية التي لا تصب بصالح الملف الأمني".
من جهته، لمح النائب السابق عن الموصل عبد الرحيم الشمري، إلى "محاولة استغلال الأكراد للملف الأمني في المناطق المتنازع عليها، لتحقيق أهداف سياسية، من خلال السعي لإثبات أنّ أمن تلك المناطق لن يتحقق من دون وجود البشمركة فيها". وقال الشمري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "على الرغم من وجود الخلافات السياسية بشأن إدارة ملف تلك المناطق، إلا أنه يفترض أن تكون هناك جاهزية حقيقية للقوات فيها، ويجب تسليح العشائر، لتكون قوة قادرة على صد داعش"، محملاً الحكومة مسؤولية "تعزيز القوات الموجودة في تلك المناطق، ودعم أبناء عشائرها".
ورفض الشمري "وجود قوات مشتركة من البشمركة والجيش في المناطق المتنازع عليها"، معتبراً أنه "لا يوجد شيء اسمه قوات مشتركة، فالأكراد لا يقبلون دخول الجيش العراقي إلى مناطق كردستان حتى ولو تعرضت مناطقهم لاعتداء من قبل أي دولة، فلماذا يريدون وجود قوات مشتركة في المناطق المتنازع عليها؟". وأضاف "نحتاج إلى جهد حكومي بدفع قوات إضافية من الجيش والشرطة الاتحادية والشرطة المحلية إلى تلك المناطق، وتجهيز وتسليح عشائرها، لتكون هناك قدرة على صدّ هجمات وتحركات داعش".
أما عضو لجنة الأمن البرلمانية، مهدي آمرلي، فأكد "ضرورة التنسيق مع قوات البشمركة لحسم هذا الملف"، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد"، "أننا سبق وأن أكدنا للحكومة أن داعش ينشط في تلك المناطق مستغلاً الفراغ الأمني فيها، ودعونا إلى التنسيق المشترك بين القوات العراقية والبشمركة لحسم هذا الملف أمنياً". وأشار إلى أنّ "النشاط المتزايد حالياً لداعش في المناطق المتنازع عليها يحتم تشكيل غرفة عمليات مشتركة بين الجيش والبشمركة، ووضع خطط وآليات تعاون لإعادة السيطرة على تلك المناطق بأسرع وقت ممكن".
ويرى مسؤولون أمنيون أنّ تحركات "داعش" ليست عشوائية، بل تتم وفق استراتيجية مدروسة تحدد المناطق الهشة في البلاد. وفي هذا الإطار، أكد الخبير الأمني، محمد الحياني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "التنظيم على دراية تامة بتأثير الخلاف وغياب التنسيق بين الجيش والبشمركة على تلك المناطق، ما جعلها منطلقاً لعملياته الإرهابية"، محذراً من "مغبة استمرار غياب التنسيق والتعاون المشترك في هذا الملف الأمني الخطير". وشدد الحياني على "ضرورة فصل الملف الأمني عن السياسي، وأن تكون التحركات الأمنية وفقاً للمعطيات الميدانية، وعدم انتظار القرارات والتوافقات السياسية لتحديد تلك التحركات"