يأتي اجتماع الدول المصدّرة للنفط (أوبك)، بعد غد الجمعة، في ظل متغيّرات عاصفة أهمها إعلان روسيا عدم حضور الاجتماع وإصرارها على زيادة الإنتاج، وتلاشي التعاون بين المنظمة والمنتجين غير الأعضاء، واستمرار تراجع أسعار النفط.
وكانت وزارة الطاقة الروسية أعلنت، أول أمس، أنها لن ترسل وفداً لإجراء مشاورات مع أوبك ولن تحضر اجتماع المنظمة بصفة مراقب، وبدلا من ذلك تتوقع الوزارة اجتماعا على مستوى الخبراء فقط مع أوبك في منتصف ديسمبر/ كانون الأول الجاري.
وفي ظل خلافات بين الأعضاء، تدرس المنظمة التي تنتج دولها نحو ثلث الناتج العالمي للنفط، خلال اجتماعها أسعار النفط التي فقدت ما يقارب 60% من قيمتها منذ منتصف عام 2014، وباتت تتداول بما دون 45 دولارا للبرميل.
وحسب محللين، سترفض معظم الدول الأعضاء خفض إنتاج المنظمة، على الرغم من التحذيرات من أن قرارا كهذا قد يؤدي إلى تراجع إضافي للأسعار، بل على عكس التيار، فبدلاً من أن تسعى أوبك لخفض الإنتاج أو على الأقل إبقاء سقفه كما هو للحد من تراجع الأسعار، تدرس المنظمة مقترحاً بزيادة الإنتاج في ظل قدوم الشتاء واستيعاب إنتاج إندونيسيا الوافد الجديد، ويأتي ذلك في ظل خلافات واضحة بين الدول الأعضاء، حول طرق إعادة التوازن لسوق النفط، ولا سيما في ظل الرفض الروسي للتعاون مع المنظمة وإصرارها على زيادة الإنتاج.
وفي هذا السياق، أكد الخبير النفطي السعودي، عبدالسميع بهبهاني، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، على أن هناك اختلافات كبيرة في الروئ وعدم انسجام واضح بين أعضاء أوبك هذه المرة، مشيراً إلى أن روسيا التي تحضر هذه الاجتماعات عادة كمراقب، قررت عدم المشاركة في اجتماع الجمعة المقبل، ما يضع أعباءً إضافية على المنظمة.
وشدّد على أن المتغيّرات والضغوط الكثيفة ستحوّل الاجتماع المقبل لأوبك إلى مجرد اجتماع روتيني بلا قرارات مهمة سوى قبول عودة إندونيسيا للمنظمة، وقال إنه "بحسب التصريحات التي أطلقها بعض وزراء أوبك، لن يكون الاجتماع مثمرا، وسيتحول إلى إجراءات روتينية لا أكثر، وستحاول فنزويلا الضغط في اتجاه تحسين الأسعار، ولا يتوقع أن تكون هناك نتائج مهمة، وربما يكتفي الاجتماع بطرح إجرائي يتعلق بعودة إندونيسيا للمنظمة".
وأضاف بهبهاني "أنه ربما يصدر إعلان قبل نهاية السنة المالية لأوبك في شهر أبريل/ نيسان المقبل، لزيادة في سقف الإنتاج إلى 31 مليوناً، حسبما صرح بذلك أحد مسؤولي المنظمة، ولكن هذا الأمر يواجه بمعارضة شديدة من الأعضاء، ولكن تظل السعودية هي صاحبة اليد الطولى في هذا الجانب، وستكون الزيادة مجرد اقتراح من دول الخليج".
وأشار الخبير النفطي إلى أن "عدم حضور روسيا الاجتماع، وعدم وجود انسجام بين الأعضاء، سيؤدي إلى زيادة احتمال عدم إصدار قرارات فاعلة، ولا سيما أن الاجتماع التمهيدي الذي كان في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أكد على فشل الاتفاق مع الدول من خارج أوبك في عملية خفض الإنتاج".
وحسب وكالة رويترز، قال مندوبون، أول أمس، إنه من المنتظر أن تناقش أوبك زيادة فنية لسقف إنتاجها في وقت لاحق هذا الأسبوع لاستيعاب عودة إندونيسيا إلى عضويتها، بينما تضاءلت الآمال في حوار بنّاء مع المنتجين المنافسين من خارج المنظمة.
اقرأ أيضاً: روسيا تقرر عدم المشاركة في اجتماع أوبك المقبل
وطلبت إندونيسيا هذا العام استعادة عضويتها في أوبك حيث تهدف إلى الاستفادة من توطيد العلاقات مع منتجي النفط. ويقول بعض الأعضاء في المنظمة إن إندونيسيا يمكنها أن تسلّط الضوء على وجهة نظر مستهلكي النفط بعد أن أصبحت مستوردا صافيا للخام.
وتنتج إندونيسيا نحو 900 ألف برميل يوميا من النفط الخام ينبغي ضمها إلى سقف إنتاج أوبك الذي لم يتغيّر من 30 مليون برميل يوميا على مدى الأعوام القليلة الماضية.
وسيتعيّن على أوبك عرض هذا الموضوع بحرص شديد على الأسواق حتى ينظر إليه كاستيعاب فني وليس كزيادة في الإنتاج، في الوقت الذي يجري فيه تداول النفط بالفعل بأسعار تقل كثيرا عن توقعات المنظمة نظرا لتخمة المعروض في السوق العالمية.
وقال مندوب لدى أوبك، طلب عدم الكشف عن هويته، إن رفع سقف إنتاج المنظمة إلى 31 مليون برميل يوميا سيناقش في الاجتماع، مضيفا أنه لا يعتقد أن ذلك سيؤثر على الأسعار. وأضاف مندوب ثان "ستستعيد إندونيسيا عضويتها، فكيف تترك سقف الإنتاج عند 30 مليون برميل يوميا؟ إنه أمر منطقي".
وفي هذا الإطار، قال خبير النفط السعودي عيسى المزيدي، في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، إن عودة إندونيسيا لـ"أوبك" ستعزز من قدرة المنظمة على مواجهة المنافسين، على اعتبار أنه كلما زاد عدد الأعضاء المنتجين والمصدّرين للنفط كلما زادت قوة المنظمة. لكن المزيدي حذر من أن عدم تقيّد جميع الدول الأعضاء بحصصها، سيدفع الأسعار لمزيد من التراجع والوصول للقاع، مشيرا إلى أن التجاوز في الحصص هو ما أوجد التخمة في السوق، وتسبب في انحدار الأسعار.
ويأتي اجتماع "أوبك" في وقت يزيد فيه المعروض من النفط في السوق العالمية على الطلب، بينما تبلغ المخزونات مستويات قياسية تقارب ثلاثة مليارات برميل، أي أعلى بثلاثة أضعاف من الكميات المعتادة.
وكانت الوكالة الدولية للطاقة قد قالت، في وقت سابق من الشهر الجاري، إن نمو الطلب العالمي على النفط سيتباطأ السنة المقبلة. وتوقعت المنظمة أن يكون النمو بحدود 1.2 مليون برميل يوميا في 2016، مقابل 1.8 مليون في 2015.
اقرأ أيضاً: أوبك تتجه لاجتماع صعب ومخاوف من استمرار هبوط الأسعار
وتؤكد أوبك منذ فترة أنها لن تخفض الإنتاج بمفردها بل بتعاون جميع المنتجين من خارجها إذا أرادوا دعم الأسعار من خلال خفض الإنتاج. وبدأ إنتاج الولايات المتحدة ينخفض مع تراجع طفرة النفط الصخري تحت ضغط هبوط أسعار الخام.
لكن روسيا، أكبر بلد منتج للنفط في العالم، فاجأت أوبك بزيادة إنتاجها حيث تستفيد صناعتها من الهبوط الحاد في قيمة الروبل الذي استخدمه الكرملين في مواجهة تأثير تراجع أسعار الخام.
وأظهرت أحدث البيانات أن شركات النفط الروسية تقوم بحفر مزيد من الآبار النفطية، وهو ما يشير إلى أن روسيا مستعدة لخوض حرب طويلة الأجل مع أوبك على الحصة السوقية، حيث تستطيع صناعتها المضي قدما حتى إذا وصلت الأسعار إلى 35 دولارا للبرميل.
ولا يتوقف الأمر عند اتجاه روسيا إلى زيادة الإنتاج، بل هناك منتج نفطي سيعود مجدداً لسوق النفط وهو إيران التي تسعى لزيادة إنتاجها حال بدء تطبيق قرارات رفع العقوبات الغربية بعد التوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي، وأكد وزير النفط الإيراني، بيغن زنغنه، السبت الماضي، أن طهران لا تحتاج إلى تصريح من "أوبك" لزيادة إنتاج النفط.
وبخصوص القرارات المتوقعة من الاجتماع المقبل لمنظمة أوبك، قال زنغنه: "لا أتوقع أي اتفاق جديد"، في إشارة إلى أن أوبك تتجه إلى الإبقاء على سقف إنتاجها دون تغيير عند 30 مليون برميل يومياً.
وأضاف: "تنتج أوبك أكثر من السقف الذي حددته، وطلبت من المنظمة خفض الإنتاج، واحترام السقف، ولكن هذا لا يعني ألا ننتج أكثر، لأن العودة إلى السوق من حقنا، وكذلك الحفاظ على حقوقنا وحصتنا في السوق".
اقرأ أيضاً:
خطط الطاقة النظيفة تزيد قلق منتجي النفط
مسؤولون في أوبك يشككون في توقعات متفائلة بشأن النفط