خيارات حماس مع المصالحة العرجاء
كان واضحاً أن حركة حماس ذهبت باتجاه المصالحة مع حركة فتح أواخر أبريل/ نيسان الماضي، ووافقت على تشكيل حكومة الوفاق، أوائل يونيو/ حزيران، استأخرت كثيراً قدوم هذه الحكومة، لتعقد أول اجتماع لها في غزة أوائل أكتوبر/ تشرين أول الحالي، وهو أمر لا يشكل حدثاً شاذاً أو استثنائياً، لكن اللافت ألا تأتي هذه الحكومة إلى غزة، وقد مضى على تشكيلها أكثر من أربعة أشهر، حتى في ذروة الحرب الإسرائيلية عليها.
قرأت "حماس" في عدم استعجال حكومة التوافق زيارة غزة رسالة تشاؤم عن عدم نجاح المصالحة بالسرعة التي تريدها، فضلاً عما تسرب من لقاء الرئيس محمود عباس مع رجال أعمال ذهبوا من غزة للقائه في رام الله، أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، وأظهر لهم أنه ليس في عجلة من أمره باتجاه إعمار غزة، حتى تفرض الحكومة سيطرتها الكاملة عليها. كما أن لقاءه، أخيراً، مع صحفيين مصريين، عقب مؤتمر إعادة الإعمار، حمل رسائل سلبية لحماس، بإعلانه أنه لا مصالحة نهائية وجادة معها، إلا بعد الانتخابات القادمة.
وتبدى أن سير المصالحة الهشة بين فتح وحماس قد يدفع الأخيرة إلى خيارات قد لا تريدها، ولا ترغب بها، لكنها تبدو كمن يفاضل بين خيار سيء وآخر أقل سوءاً، وبين بديل مكلف وآخر أقل كلفة، على اعتبار أن زمن البدائل الحسنة قد فات منذ زمن في أجندة حماس. ومن هذه الخيارات المتوقعة، ويبدو أن حماس ستخرجها من أدراجها، إن بقيت المصالحة على حالها من البطء والتردد، العودة مجددا لحكم غزة، وهو خيار يبدو مستبعداً كثيراً، في هذه الآونة، لاعتبارات داخلية وخارجية، فالحركة ما زالت تعاني من أزمة مالية، لم تتحرر منها بعد، والعودة إلى حكم غزة، بصورة انفرادية، يعني استنساخ المشكلات التي كانت قائمة طوال السنوات السبع الماضية 2007-2014، وأجبرتها، في النهاية، على توقيع مصالحة مع فتح، بدا أنها قدمت فيها تنازلات أكثر من شريكتها.
كما أن هذا الخيار الصعب قد يعيد إغلاق الأبواب التي تبدو "مواربة" حالياً مع الجارة الجنوبية، والشقيقة الكبرى، مصر، لأنه سيعني لها عودة كابوس "الإمارة الإخوانية" على حدودها الشرقية، وقد تنفست الصعداء نسبياً بعد أن انسحبت حماس من المشهد الحكومي مؤقتاً بسبب المصالحة الأخيرة مع فتح. فضلاً عن أن هذا السيناريو الاضطراري يعني، بوضوح وصراحة، طي صفحة مشروع إعادة إعمار غزة، لأن المجتمع الدولي والدول العربية، ببساطة، لن تضخ المليارات الخمسة التي وعدت بها أخيراً في ميزانية حماس، وهذا يعني بقاء مشاهد الدمار ماثلة أمام ناظري قادة الحركة في غزة.
وهناك خيار التحالف مع محمد دحلان، ويعلم الكل أن مصالحة فتح وحماس لم تنزل برداً وسلاماً على القيادي الفتحاوي المفصول، وخصم محمود عباس اللدود، بل إن بعضهم اعتبر أن الأخير سارع إلى مصالحة مع حماس، عقب ورود معلومات أولية، مفادها بأن الجانبين، حماس ودحلان، قد يذهبان إلى مصالحة ثنائية بدونه.
وهذا يعني سحب تمثيل عباس قطاعاً كبيراً من فتح، لأن قواعد تنظيمية كبيرة في غزة لا تخفي ولاءها لدحلان. وسيناريو التحالف مع المذكور دونه إشكاليات ليست هينة على حماس، فقد وصل عداؤها معه إلى درجة "شيطنته" بصورة غير مسبوقة، ولا ينسى أحد أن ما أقدمت عليه الحركة مما تسميه "الحسم"، ويسميه دحلان "الانقلاب"، جاء بسبب وصول خلافات الجانبين إلى مرحلة لم يعد مجال لحلها، إلا بقضاء أحد الطرفين على الآخر، وقد كان. ولكن، تمتلك حماس من المرونة السياسية والانضباط التنظيمي ما يجعلها تقنع قواعدها بأن دحلان خصم يمكن الاستفادة منه، بصورة أفضل من خصم آخر، وهو عباس، لم تنجح معه مصالحة، ولا تقديم تنازلات.
وفي هذا السيناريو، تنظر حماس إلى دحلان، ليس بصفته الفتحاوية الفلسطينية فحسب، بل لارتباطاته الوثيقة مع دوائر صنع القرار في القاهرة والرياض وأبو ظبي، وحماس في وارد تحسين العلاقة مع هذه العواصم، ويبدو لها أن كلمة السر في ذلك موجودة في جيب دحلان، لكن ذلك يتطلب منها تنازلات تقترب مما قدمته لعباس.
الخيار الأقل كلفة لحركة حماس ربما هو تشكيل هيئة وطنية، قياساً بالخيارين السابقين، لكنه الأكثر عجزاً عن مواجهة مشكلات قطاع غزة، لأنه، باختصار، ليس هناك من تكنوقراط حقيقي مجرد في غزة خصوصاً، والأراضي الفلسطينية عموماً، من دون أن يكون له ارتباط فكري أيديولوجي، فضلاً عن تبعية تنظيمية لهذا التيار أو ذاك. كما أن هذه الهيئة لن تنجح بالانعتاق من وصاية حماس، الأمنية والسياسية. وفي النهاية، تبدو "بضاعة كاسدة" أمام العالم، لن يشتريها أحد، وسيبقى الكل مقتنعاً بأنها شكل ديكوري، يخفي خلفه سيطرة حماس على غزة، من وراء ستار. وبالتالي، لن يكون العالم متشجعاً كثيراً للتعامل مع مثل هذه الهيئة التي تجد قبولاً لدى أوساطٍ، لا بأس بها من رجال الأعمال والتجار والأكاديميين في غزة.
أخيراً، إن تشجع حماس على إنجاح المصالحة مع فتح يخلصها من أعباء كثيرة، عانت منها في السنوات الماضية، لكن تأرجح هذه المصالحة بين اشتراطات عباس، وكارثية الواقع المأساوي في غزة، قد يذهب بحماس إلى خيارات أخرى، وردت آنفاً، على الرغم من كلفتها الباهظة، ولسان حالها يقول: مكره أخاك لا بطل!