بعنوان "دولة العسكر اللبنانية"، قدّمت الفرنسية روزالي بيرثييه وزميلها اللبناني جورج حداد، دراسة عن حجم الإنفاق العسكري اللبناني، في قطاعات الجيش، وقوى الأمن الداخلي، والأمن العام وأمن الدولة. الدراسة المنشورة على موقع مركز الأبحاث "synaps" كشفت عن رضوخ الموازنة اللبنانية للإنفاق العسكري اللبناني. وفي الدراسة تجد أن "الإنفاق العسكري اللبناني بلغ في عام 2017، 16 في المائة من الموازنة السنوية، بينما بلغ 9 في المائة في الولايات المتحدة و6 في المائة في الصين و4 في المائة في فرنسا"، ما يضع لبنان على رأس الدول عالمياً في الإنفاق العسكري نسبة لحصة الإنفاق الأمني في موازنته العامة، انطلاقاً من أرقام معهد استوكهولم لأبحاث السلام "سيبري".
ووفق الدراسة، لم يقتصر الأمر على هذا الحدّ، فلبنان، الذي عانى من سوء الإدارة السياسية للبلاد منذ عام 2005 (ما زالت مستمرة)، تمكن من توفير نموّ مستديم للإنفاق العسكري، إلى حدّ مضاعفته 4 مرات في عام 2017 عن عام 2005، مع ارتفاع نسبة الإنفاق على الرواتب والرواتب التقاعدية والخدمات الشخصية الأخرى للأمنيين من 45 في المائة إلى 60 في المائة من الموازنة العسكرية. وقفزت أرقام الإنفاق العسكري من 677 مليون دولار عام 2005 إلى 2.282 مليار دولار في عام 2017. في المقابل، قفز الإنفاق على القطاع التربوي من 468 مليون دولار عام 2005 إلى 742 مليون دولار عام 2017، وفي باقي القطاعات من 364 مليون دولار عام 2005 إلى 594 مليون دولار عام 2017 (بحسب وزارة المالية).
وقارنت الدراسة بين الإنفاق الضخم والمواجهات العسكرية، فذكرت أن الجيش لم يخض سوى معركتين بين عامي 2005 و2017، في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين، شمالي لبنان، بين 20 مايو/ أيار 2007 و7 سبتمبر/ أيلول منه، وفي بلدة عرسال، في منطقة البقاع، شرقي لبنان، بين 2 أغسطس/ آب عام 2014 و7 أغسطس منه، ثم عرسال في أغسطس 2017. وأضاءت الدراسة على الانتشار المسلّح لحزب الله في البقاع والجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت، وتقديمه الدعم للجيش في بعض المعارك. ومع إعلانها أنه تمّت إزالة العديد من الثكنات ومخافر الشرطة خلال السنوات الماضية، اعتبرت الدراسة أن "الإنفاق مرتبط خصوصاً بالرواتب". وأجرت مقارنة في هذا السياق أيضاً، حول تخصيص الولايات المتحدة 60 في المائة من الميزانية العسكرية للعتاد العسكري، في مقابل 7 في المائة للبنان. وذكرت الدراسة أن "لبنان يعتمد على الدعم الخارجي من أجل تأمين العتاد، والولايات المتحدة تأتي على رأس الواهبين، بعد أن منحت عتاداً بقيمة 250 مليون دولار للبنان في عام 2017". كما تقوم الولايات المتحدة بتوجيه شحنات عسكرية عدة إلى مرفأ ومطار بيروت، ومطار حامات في الشمال اللبناني، ومطار رياق في البقاع. مع العلم أن القوات البريطانية عمدت بدورها إلى بناء العديد من الأبراج على الحدود اللبنانية ـ السورية، تحت عنوان "محاربة الإرهاب".
ومع بلوغ نسبة الرواتب 93 في المائة من الميزانية العسكرية (بحسب وزارة الدفاع الأميركية، ووزارة المالية اللبنانية، وسيبري)، فإنها تشمل امتيازات وفوائد عدة، ومنها الضمان الصحي وعطلة الأمومة، وبدل عن حالات الوفاة، بالإضافة إلى رواتب السائقين والموظفين الذين يعملون لدى الضباط ذوي الرتب العالية. واعتبرت الدراسة أن "الأمر بمثابة كرة ثلج من ناحية الإنفاق"، خصوصاً أن الكثير من المتقاعدين يتلقون رواتب عالية، ويحافظون على نمط حياة مستقرّ، قياساً إلى باقي اللبنانيين، في ظلّ الوضع الاقتصادي المزري الذي تعاني منه البلاد.
ورأت الدراسة أنه "بالنسبة لأي مراقب لبناني، فإن انتشار الحواجز الأمنية في مختلف أنحاء البلاد، هو بغرض فرض الأمن في البلاد ومنعها من الانزلاق إلى العنف، غير أنه في واقع الحال، إن انتشار الحواجز الأمنية، هو محاولة لعدم ترك معظم اللبنانيين في فقر مدقع". وطرحت الدراسة معادلة تكشف أن السياسيين غير مهتمين سوى بتأمين الوظائف لأنصارهم، بينما تبدو الولايات المتحدة والدول الأوروبية مهووسة بفكرة الاستثمار في الأمن اللبناني، لاعتبارات مرتبطة بالإرهاب وباللاجئين. وفي ظلّ هذه المعادلة من الطبيعي ألا ينتظر البلاد مستقبل مختلف عن الوضع الحالي.
أما في الجانب المظلم من الموضوع، فإن الإنفاق العسكري يسهم في بروز دولة أقرب إلى العسكريتاريا، مع توقيف العديد من النشطاء الشباب، ومحاكمتهم في المحكمة العسكرية، بسبب تظاهرات عام 2015، المُطالبة برفع النفايات من الشوارع. كما أن العديد من الأشخاص يتعرضون للتوقيف أياماً، بسبب عبارة على صفحتهم في موقع "فيسبوك" أو تغريدة على حسابهم على موقع "تويتر". وبحسب الدراسة نفسها، فإن لبنان يتجه بفعل سياسة الإنفاق العسكري من جهة، وعدم تأمين بدائل "غير عسكرية" للشباب العامل من جهة أخرى، إلى تكريس دولة أمنية، تُنشئ بفعل الفقر المدقع وغياب الخيارات العملية والفساد المستشري.